responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 109
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ وَمَعَهُ الْمِفْتَاحُ وَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى الْعَبَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُثْمَانُ خُذِ الْمِفْتَاحَ عَلَى أَنَّ لِلْعَبَّاسِ نَصِيبًا مَعَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ: «هَاكَ خَالِدَةٌ تَالِدَةٌ لَا يَنْزِعُهَا مِنْكَ إِلَّا ظَالِمٌ» ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ هَاجَرَ وَدَفَعَ الْمِفْتَاحَ إِلَى أَخِيهِ شَيْبَةَ فَهُوَ فِي وَلَدِهِ الْيَوْمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهَا مَخْصُوصَةً بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْأَمَانَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُعَامَلَةَ الْإِنْسَانِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ رَبِّهِ أَوْ مَعَ سَائِرِ الْعِبَادِ، أَوْ مَعَ نَفْسِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ الْأَمَانَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.
أَمَّا رِعَايَةُ الْأَمَانَةِ مَعَ الرَّبِّ: فَهِيَ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَهَذَا بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْأَمَانَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَازِمَةٌ، فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: إِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ فَرْجَ الْإِنْسَانِ وَقَالَ هَذَا أَمَانَةٌ خَبَّأْتُهَا عِنْدَكَ فَاحْفَظْهَا إِلَّا بِحَقِّهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، فَأَمَانَةُ اللِّسَانِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْكَذِبِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَالْفُحْشِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَانَةُ الْعَيْنِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِي النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ، وَأَمَانَةُ السَّمْعِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي سَمَاعِ الْمَلَاهِي وَالْمَنَاهِي، وَسَمَاعِ الْفُحْشِ وَالْأَكَاذِيبِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا الْقَوْلُ/ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ رِعَايَةُ الْأَمَانَةِ مَعَ سَائِرِ الْخَلْقِ فَيَدْخُلُ فِيهَا رَدُّ الْوَدَائِعِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَرْكُ التَّطْفِيفِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنْ لَا يُفْشِيَ عَلَى النَّاسِ عُيُوبَهُمْ، وَيَدْخُلُ فِيهِ عَدْلُ الْأُمَرَاءِ مَعَ رَعِيَّتِهِمْ وَعَدْلُ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْعَوَامِّ بِأَنْ لَا يحملوهم على التعصبات الباطلة، بل يرشدونهم إِلَى اعْتِقَادَاتٍ وَأَعْمَالٍ تَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَيَدْخُلُ فِيهِ نَهْيُ الْيَهُودِ عَنْ كِتْمَانِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَهْيُهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ لِلْكُفَّارِ: إِنَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَمْرُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِرَدِّ الْمِفْتَاحِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَمَانَةُ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ فِي حِفْظِ فَرْجِهَا، وَفِي أَنْ لَا تُلْحِقَ بِالزَّوْجِ وَلَدًا يُولَدُ مِنْ غَيْرِهِ. وَفِي إِخْبَارِهَا عَنِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَمَانَةُ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ فَهُوَ أَنْ لَا يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ إِلَّا مَا هُوَ الْأَنْفَعُ وَالْأَصْلَحُ لَهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَأَنْ لَا يُقْدِمَ بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى مَا يَضُرُّهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلِهَذَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رعيته»
فقوله: يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها يَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ، وَقَدْ عَظَّمَ اللَّه أَمْرَ الْأَمَانَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ [الْأَحْزَابِ: 72] وَقَالَ: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 8] وَقَالَ: وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الْأَنْفَالِ: 27]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ»
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: ثَلَاثَةٌ يُؤَدَّيْنَ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ: الْأَمَانَةُ وَالْعَهْدُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَفْظُ الْأَمَانَةِ وَإِنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْكُلِّ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَمَانَةِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ، لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا إِلَى الْغَيْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْأَمَانَةُ مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ الْمَفْعُولُ، وَلِذَلِكَ جُمِعَ فَإِنَّهُ جُعِلَ اسْمًا خَالِصًا. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ (الْأَمَانَةَ) عَلَى التَّوْحِيدِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: مِنَ الْأَمَانَاتِ الْوَدَائِعُ، وَيَجِبُ رَدُّهَا عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 109
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست