responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 106
السِّينِ كَقَوْلِهِ: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [الْمُدَّثِّرِ: 26] وَقَدْ تَرِدُ كَلِمَةُ «سَوْفَ» فِي الْوَعْدِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضُّحَى: 5] وَقَالَ: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يُوسُفَ: 98] قِيلَ أَخَّرَهُ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ تَحْقِيقًا لِلدُّعَاءِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلِمَةُ «السِّينِ» وَ «سَوْفَ» مَخْصُوصَتَانِ بِالِاسْتِقْبَالِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: نُصْلِيهِمْ أَيْ نُدْخِلُهُمُ النَّارَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: نُصْلِيهِمْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَوَيْتُهُ بِالنَّارِ، يُقَالُ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ أَيْ مَشْوِيَّةٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لَمَّا كَانَ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى إِبْقَائِهِمْ أَحْيَاءً فِي النَّارِ أَبَدَ الْآبَادِ فَلِمَ لَمْ يُبْقِ أَبْدَانَهُمْ فِي النَّارِ مَصُونَةً عَنِ النُّضْجِ وَالِاحْتِرَاقِ مَعَ أَنَّهُ يُوَصِّلُ إِلَيْهَا الْآلَامَ الشَّدِيدَةَ، حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى تَبْدِيلِ جُلُودِهِمْ بِجُلُودٍ أُخْرَى؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُوَصِّلَ إِلَى أَبْدَانِهِمْ آلَامًا عَظِيمَةً مِنْ غَيْرِ إِدْخَالِ النَّارِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَدْخَلَهُمُ النَّارَ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: الْجُلُودُ الْعَاصِيَةُ إِذَا احْتَرَقَتْ فَلَوْ خَلَقَ اللَّه مَكَانَهَا جُلُودًا أُخْرَى وَعَذَّبَهَا كَانَ/ هَذَا تَعْذِيبًا لِمَنْ لَمْ يَعْصِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُجْعَلَ النُّضْجُ غَيْرُ النَّضِيجِ، فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ وَالْمُتَبَدِّلِ هُوَ الصِّفَةُ، فَإِذَا كَانَتِ الذَّاتُ وَاحِدَةً كَانَ الْعَذَابُ لَمْ يَصِلْ إِلَّا إِلَى الْعَاصِي، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِيَّةِ التَّغَايُرُ فِي الصِّفَةِ.
الثَّانِي: الْمُعَذَّبُ هُوَ الْإِنْسَانُ، وَذَلِكَ الْجِلْدُ مَا كان جزأ مِنْ مَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ، بَلْ كَانَ كَالشَّيْءِ الْمُلْتَصِقِ بِهِ الزَّائِدِ عَلَى ذَاتِهِ، فَإِذَا جَدَّدَ اللَّه الْجِلْدَ وَصَارَ ذَلِكَ الْجِلْدُ الْجَدِيدُ سَبَبًا لِوُصُولِ الْعَذَابِ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْذِيبًا إِلَّا لِلْعَاصِي. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُلُودِ السَّرَابِيلُ، قَالَ تَعَالَى: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [إِبْرَاهِيمَ: 50] فَتَجْدِيدُ الْجُلُودِ إِنَّمَا هُوَ تَجْدِيدُ السَّرَابِيلَاتِ. طَعَنَ الْقَاضِي فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ، وَأَيْضًا السَّرَابِيلُ مِنَ الْقَطِرَانِ لَا تُوصَفُ بِالنُّضْجِ، وَإِنَّمَا تُوصَفُ بِالِاحْتِرَاقِ. الرَّابِعُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا اسْتِعَارَةٌ عَنِ الدَّوَامِ وَعَدَمِ الِانْقِطَاعِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُرَادُ وَصْفُهُ بِالدَّوَامِ: كُلَّمَا انْتَهَى فَقَدِ ابْتَدَأَ، وَكُلَّمَا وَصَلَ إِلَى آخِرِهِ فَقَدِ ابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِهِ، فَكَذَا قَوْلُهُ:
كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها يَعْنِي كُلَّمَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَضِجُوا وَاحْتَرَقُوا وَانْتَهَوْا إِلَى الْهَلَاكِ أَعْطَيْنَاهُمْ قُوَّةً جَدِيدَةً مِنَ الْحَيَاةِ بِحَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهُمُ الْآنَ حَدَثُوا وَوُجِدُوا، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بَيَانَ دَوَامِ الْعَذَابِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِهِ. الْخَامِسُ: قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّهُ تَعَالَى يُبَدِّلُ الْجُلُودَ مِنْ لَحْمِ الْكَافِرِ فَيُخْرِجُ مِنْ لَحْمِهِ جِلْدًا آخَرَ وَهَذَا بِعِيدٌ، لِأَنَّ لَحْمَهُ مُتَنَاهٍ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَنْفَدَ، وَعِنْدَ نَفَادِ لَحْمِهِ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فِي تَبْدِيلِ الْجِلْدِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الطَّرِيقُ مَذْكُورًا أَوَّلًا واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أَيْ لِيَدُومَ لَهُمْ ذَوْقُهُ وَلَا يَنْقَطِعَ، كَقَوْلِكَ لِلْمَعْزُوزِ: أَعَزَّكَ اللَّه، أَيْ أَدَامَكَ عَلَى الْعِزِّ وَزَادَكَ فِيهِ. وَأَيْضًا الْمُرَادُ لِيَذُوقُوا بِهَذِهِ الْحَالَةِ الْجَدِيدَةِ الْعَذَابَ، وَإِلَّا فَهُمْ ذَائِقُونَ مُسْتَمِرُّونَ عَلَيْهِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست