responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 44
إِلَّا هَذِهِ الْحُرُوفَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التَّوْبَةِ: 6] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسْمُوعَ لَيْسَ إِلَّا هَذِهِ الْحُرُوفَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ كَلَامُ اللَّهِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ من حلف على سماع كلام اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ بِسَمَاعِ هَذِهِ الْحُرُوفِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ نُقِلَ بِالتَّوَاتُرِ إِلَيْنَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَسْمُوعَ الْمَتْلُوَّ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ»
فَمُنْكِرُهُ مُنْكِرٌ لِمَا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَلْزَمُهُ الْكُفْرُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِمَاهِيَّةٍ دُونَ مَاهِيَّةٍ، فَيَلْزَمُكُمْ قِدَمُ الْكُلِّ، وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ خَفِيٌّ فِي مُقَابَلَةِ الْبَدِيهِيَّاتِ فَيَكُونُ بَاطِلًا.
وصف كلام الله تعالى بالقدم:
المسألة الحادية عشرة [وصف كلام الله تعالى بالقدم] : إِذَا قُلْنَا لِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُتَوَالِيَةِ وَالْأَصْوَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ إِنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَطْلَقَ اسْمَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ فَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِيمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَإِذَا قُلْنَا: كَلَامُ اللَّهِ قَدِيمٌ، لَمْ نَعْنِ بِهِ إِلَّا تِلْكَ الصِّفَةَ الْقَدِيمَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَالْعِبَارَاتِ. وَإِذَا قُلْنَا: كَلَامُ اللَّهِ مُعْجِزَةٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنَيْنَا بِهِ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَهَذِهِ الْأَصْوَاتَ الَّتِي هِيَ حَادِثَةٌ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُعْجِزَةً لَهُ؟ وَإِذَا قُلْنَا: كَلَامُ اللَّهِ سُوَرٌ وَآيَاتٌ، عَنَيْنَا بِهِ هَذِهِ الْحُرُوفَ، وَإِذَا قُلْنَا: كَلَامُ اللَّهِ فَصِيحٌ، عَنَيْنَا بِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ، وَإِذَا شَرَعْنَا فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنَيْنَا بِهِ أَيْضًا هَذِهِ الألفاظ.
الأصوات التي نقرأ بها ليس كلام الله:
المسألة الثانية عشرة [الأصوات التي نقرأ بها ليس كلام الله] : زَعَمَتِ الْحَشْوِيَّةُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ الَّتِي نَسْمَعُهَا مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الَّتِي نَسْمَعُهَا مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِلِسَانِهِ وَأَصْوَاتِهِ، فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهَا عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَنَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ بِعَيْنِهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَالَّةٌ فِي بَدَنِ هَذَا الْإِنْسَانِ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَيْضًا فَهَذَا عَيْنُ مَا يَقُولُهُ النَّصَارَى مِنْ أَنَّ أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ حَلَّتْ فِي ناسوت صريح، وزعموا أنها حَالَّةٌ فِي نَاسُوتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَغَيْرُ زَائِلَةٍ عَنْهُ، وَهَذَا عَيْنُ مَا يَقُولُهُ الْحَشْوِيَّةِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى حَالٌّ فِي لِسَانِ هَذَا الْإِنْسَانِ/ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، إِلَّا أَنَّ النَّصَارَى قَالُوا بِهَذَا الْقَوْلِ فِي حَقِّ عِيسَى وَحْدَهُ، وَهَؤُلَاءِ الْحَمْقَى قَالُوا بِهَذَا الْقَوْلِ الْخَبِيثِ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ: الْكَلَامُ اسْمٌ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى النُّطْقِ يُقَالُ إِنَّهُ مُتَكَلِّمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ مُشْتَغِلًا بِالْقَوْلِ، وَأَيْضًا فَضِدُّ الْكَلَامِ هُوَ الْخَرَسُ، لَكِنَّ الْخَرَسَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَجْزِ عَنِ الْقَوْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ، بِمَعْنَى أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْقَوْلِ قَدِيمَةٌ، أَمَّا الْقَوْلُ فَإِنَّهُ حَادِثٌ، هَذَا تفصيل قولهم وقد أبطلناه.
خلاف الحشوية والأشعرية في صفة القرآن:
المسألة الرابعة عشرة [خلاف الحشوية والأشعرية في صفة القرآن] : قَالَتِ الْحَشْوِيَّةُ لِلْأَشْعَرِيَّةِ: إِنْ كَانَ مُرَادُكُمْ مِنْ قَوْلِكُمْ: «إِنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ» هُوَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ دَالٌّ عَلَى صِفَةٍ قَدِيمَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كِتَابٍ صُنِّفَ فِي الدُّنْيَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست