responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 225
مُخْتَلِفَةٌ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْهَا وَاحِدٌ هُوَ أَشْرَفُهَا وَأَعْلَاهَا وَأَكْمَلُهَا وَأَبْهَاهَا، وَيَكُونَ مَا سِوَاهُ فِي طَاعَتِهِ وَتَحْتَ أَمْرِهِ وَنْهِيهِ، كَمَا قَالَ: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التَّكْوِيرِ: 20، 21] وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ فِي الدُّنْيَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ هُوَ أَشْرَفُ أَشْخَاصِ هَذَا الْعَالَمِ وَأَكْمَلُهَا وَأَعْلَاهَا وَأَبْهَاهَا، وَيَكُونُ كُلُّ مَا سِوَاهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ تَحْتَ طَاعَتِهِ وَأَمْرِهِ، فَالْمُطَاعُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُطَاعُ فِي عَالَمِ الرُّوحَانِيَّاتِ وَالْمُطَاعُ الثَّانِي هُوَ الْمُطَاعُ فِي عَالَمِ الْجُسْمَانِيَّاتِ، فَذَاكَ مُطَاعُ الْعَالَمِ الْأَعْلَى، وَهَذَا مُطَاعُ الْعَالَمِ الْأَسْفَلِ وَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ عَالَمَ الْجُسْمَانِيَّاتِ كَالظِّلِّ لِعَالَمِ الرُّوحَانِيَّاتِ وَكَالْأَثَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُطَاعَيْنِ مُلَاقَاةٌ وَمُقَارَنَةٌ وَمُجَانَسَةٌ، فَالْمُطَاعُ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ هُوَ الْمَصْدَرُ، وَالْمُطَاعُ فِي عَالَمِ الْأَجْسَامِ هُوَ الْمَظْهَرُ وَالْمَصْدَرُ هُوَ الرَّسُولُ الْمَلَكِيُّ، وَالْمَظْهَرُ هُوَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ، وَبِهِمَا يَتِمُّ أَمْرُ السَّعَادَاتِ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: كَمَالُ حَالِ الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ إِنَّمَا تَتِمُّ بِأُمُورٍ سَبْعَةٍ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَاتِمَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ- الآية وَيَنْدَرِجُ فِي أَحْكَامِ الرُّسُلِ قَوْلُهُ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَةِ: 285] فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ، وَهِيَ مَعْرِفَةُ الرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ/ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمَبْدَأُ، وَالثَّانِي:
الْكَمَالُ. فَالْمَبْدَأُ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا [الْبَقَرَةِ: 285] لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَنْ يُرِيدُ الذَّهَابَ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالِالْتِجَاءُ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَيْهِ وهو قوله: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَهُوَ قَطْعُ النَّظَرِ عَنِ الْأَعْمَالِ الْبَشَرِيَّةِ وَالطَّاعَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِالْتِجَاءُ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبُ الرَّحْمَةِ مِنْهُ وَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، ثُمَّ إِذَا تَمَّتْ مَعْرِفَةُ الرُّبُوبِيَّةِ بِسَبَبِ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَمَّتْ مَعْرِفَةُ الْعُبُودِيَّةِ بِسَبَبِ مَعْرِفَةِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الذَّهَابُ إِلَى حَضْرَةِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلذَّهَابِ إِلَى الْمَعَادِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ: الْمَبْدَأُ وَالْوَسَطُ، وَالْمَعَادُ، أَمَّا الْمَبْدَأُ فَإِنَّمَا يَكْمُلُ مَعْرِفَتُهُ بِمَعْرِفَةِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: وَهِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْكُتُبِ، وَالرُّسُلِ، وَأَمَّا الْوَسَطُ فَإِنَّمَا يَكْمُلُ مَعْرِفَتُهُ بِمَعْرِفَةِ أَمْرَيْنِ: «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» نَصِيبُ عَالَمِ الْأَجْسَادِ، و «غفرانك رَبَّنَا» نَصِيبُ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ، وَأَمَّا النِّهَايَةُ فَهِيَ إِنَّمَا تَتِمُّ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] فَابْتِدَاءُ الْأَمْرِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْوَسَطِ صَارَ اثْنَيْنِ، وَفِي النِّهَايَةِ صَارَ وَاحِدًا.
وَلَمَّا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمَرَاتِبُ السَّبْعُ فِي الْمَعْرِفَةِ تَفَرَّعَ عَنْهَا سَبْعُ مَرَاتِبَ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ: - فَأَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [الْبَقَرَةِ: 286] وَضِدُّ النِّسْيَانِ هُوَ الذِّكْرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الْأَحْزَابِ: 41] وَقَوْلُهُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الْكَهْفِ: 24] وَقَوْلُهُ: تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الْأَعْرَافِ: 201] وَقَوْلُهُ: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [الإنسان:
25] وَهَذَا الذِّكْرُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا [الْبَقَرَةِ: 286] وَدَفْعُ الْإِصْرِ- وَالْإِصْرُ هُوَ الثِّقْلُ- يُوجِبُ الْحَمْدَ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ رَحْمَتِهِ، وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 225
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست