responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 197
/ وَالثَّوَابِ، وَذَلِكَ يَهْدِمُ أُصُولَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُ الْحَمْدِ لِلَّهِ لَيْسَ ثَابِتًا لَهُ لِذَاتِهِ- فَنَقُولُ: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَاقِصًا لِذَاتِهِ مُسْتَكْمِلًا بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا: إِنَّ قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْحَمْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ الَّذِي لَا قَبِيحَ فِي فِعْلِهِ، وَلَا جَوْرَ فِي أَقْضِيَتِهِ، وَلَا ظُلْمَ فِي أَحْكَامِهِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَذَلِكَ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِأَعْظَمِ الْمَحَامِدِ وَالْمَدَائِحِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ لَا قَبِيحَ إِلَّا وَهُوَ فِعْلُهُ، وَلَا جَوْرَ إِلَّا وَهُوَ حُكْمُهُ، وَلَا عَبَثَ إِلَّا وَهُوَ صُنْعُهُ، لِأَنَّهُ يَخْلُقُ الْكُفْرَ فِي الْكَافِرِ ثُمَّ يُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ، وَيُؤْلِمُ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَوِّضَهَا، فَكَيْفَ يُعْقَلُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ؟ وَأَيْضًا فَذَلِكَ الْحَمْدُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِسَبَبِ الْإِلَهِيَّةِ إِمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّهُ عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَجَبَ كَوْنُ الْعَبْدِ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِالْجَبْرِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ نَفْسَهُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، قَالُوا: فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْحَمْدِ لله لا يصح إلا على قولنا.
شكر المنعم:
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ وُجُوبَ الشُّكْرِ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالسَّمْعِ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ بِالسَّمْعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاءِ: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النِّسَاءِ: 165] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثَابِتٌ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرْعِ وَبَعْدَ مَجِيئِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَدُلُّ أَنَّ هَذَا الْحَمْدَ حَقُّهُ وَمِلْكُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرْعِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: 2] وَقَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِذَلِكَ الوصف، فههنا أَثْبَتَ الْحَمْدَ لِنَفْسِهِ وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَبًّا لِلْعَالَمِينَ رَحْمَانًا رَحِيمًا بِهِمْ، مَالِكًا لِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَمْدِ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِكَوْنِهِ تَعَالَى مُرَبِّيًا لَهُمْ رَحْمَانًا رَحِيمًا بِهِمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَمْدِ ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ مَجِيءِ النبي أو بعده.
معنى الحمد:
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْحَثَ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَمْدِ وَمَاهِيَّتِهِ فَنَقُولُ: تَحْمِيدُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، لِأَنَّ قَوْلَنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ إِخْبَارٌ عَنْ حُصُولِ الْحَمْدِ، وَالْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ مُغَايِرٌ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَحْمِيدُ اللَّهِ مُغَايِرًا لِقَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَنَقُولُ: حَمْدُ الْمُنْعِمِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا. وَذَلِكَ الْفِعْلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ/ فِعْلُ الْقَلْبِ، أَوْ فِعْلُ اللِّسَانِ، أَوْ فِعْلُ الْجَوَارِحِ، أَمَّا فِعْلُ الْقَلْبِ فَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ كَوْنَهُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْإِجْلَالِ، وَأَمَّا فِعْلُ اللِّسَانِ فَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ أَلْفَاظًا دَالَّةً عَلَى كَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ. وَأَمَّا فِعْلُ الْجَوَارِحِ فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالٍ دَالَّةٍ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمُنْعِمِ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْإِجْلَالِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَمْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ افْتَرَقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ فَرِيقَيْنِ: الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ عَبِيدَهُ بِأَنْ يَحْمَدُوهُ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ التَّحْمِيدَ إِمَّا أَنْ يكون بناءً على إنعام وصل إليهم أولًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى طَلَبَ مِنْهُمْ عَلَى إِنْعَامِهِ جَزَاءً وَمُكَافَأَةً، وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الْكَرَمِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَنْعَمَ لَمْ يَطْلُبِ الْمُكَافَأَةَ، وَأَمَّا الثاني فهو

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 197
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست