responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 181
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً، [الْأَعْرَافِ: 55] وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الْأَعْرَافِ: 205] وبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَوَجَبَ إِخْفَاؤُهُ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ اسْتَنْبَطَهَا الْفُقَهَاءُ/ وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَى الْكَلَامَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ خَبَرِ أَنَسٍ مِنْ وُجُوهٍ: الأول: قال الشيخ أبو حامد الإسفرايني: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْبَابِ سِتُّ رِوَايَاتٍ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ رَوَوْا عَنْهُ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: إِحْدَاهَا:
قَوْلُهُ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَثَانِيَتُهَا:
قَوْلُهُ: إِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَثَالِثَتُهَا:
قَوْلُهُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ تُقَوِّي قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ، وَثَلَاثٌ أُخْرَى تُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ: إِحْدَاهَا: مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَنَسًا رَوَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا تَرَكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ كَالْأَمْرِ الْمُتَوَاتِرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَثَانِيَتُهَا:
رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَثَالِثَتُهَا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْإِسْرَارِ بِهِ فَقَالَ:
لَا أَدْرِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَثَبَتَ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ عَظُمَ فِيهَا الْخَبْطُ وَالِاضْطِرَابُ، فَبَقِيَتْ مُتَعَارِضَةً فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى سَائِرِ الدَّلَائِلِ، وَأَيْضًا فَفِيهَا تُهْمَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَمَّا وَصَلَتِ الدَّوْلَةُ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بَالَغُوا فِي الْمَنْعِ مِنَ الْجَهْرِ، سَعْيًا فِي إِبْطَالِ آثَارِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَعَلَّ أَنَسًا خَافَ مِنْهُمْ فَلِهَذَا السَّبَبِ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُ فِيهِ، وَنَحْنُ وَإِنْ شَكَكْنَا فِي شَيْءٍ فَإِنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مَهْمَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِ أَنَسٍ وَابْنِ الْمُغَفَّلِ وَبَيْنَ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ طُولَ عُمْرِهِ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ أَوْلَى، فَهَذَا جَوَابٌ قَاطِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ.
ثُمَّ نَقُولُ: هَبْ أَنَّهُ حَصَلَ التَّعَارُضُ بَيْنَ دَلَائِلِكُمْ وَدَلَائِلِنَا، إِلَّا أَنَّ التَّرْجِيحَ مَعَنَا، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ:
أَنَّ رَاوِيَ أَخْبَارِكُمْ أَنَسٌ وَابْنُ الْمُغَفَّلِ، وَرَاوِي قَوْلِنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَكْثَرَ عِلْمًا وَقُرْبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَسٍ وَابْنِ الْمُغَفَّلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَمْ يُقْبَلْ، وَلِهَذَا السَّبَبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ مَعَ أَنَّهُ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُخَالِفُهُ إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَرِيحَ الْعَقْلِ نَاطِقٌ بِأَنَّ إِظْهَارَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَوْلَى مِنْ إِخْفَائِهَا، فَلِأَيِّ سَبَبٍ رَجُحَ قَوْلُ أَنَسٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُغَفَّلِ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ الْجَلِيِّ الْبَدِيهِيِّ؟ وَالثَّالِثُ: أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ/ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُقَدِّمُ الْأَكَابِرَ عَلَى الْأَصَاغِرِ، وَالْعُلَمَاءَ عَلَى غَيْرِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَشْرَافَ عَلَى الْأَعْرَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا أَعْلَى حَالًا فِي الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ مِنْ أَنَسٍ وَابْنِ الْمُغَفَّلِ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَقِفُونَ بِالْقُرْبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أنس وابن المغفل يقفان بالعبد مِنْهُ، وَأَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها [الْإِسْرَاءِ: 110] وَأَيْضًا فَالْإِنْسَانُ أَوَّلُ مَا يَشْرَعُ فِي الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا يَشْرَعُ فِيهَا بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْوَى صَوْتُهُ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَهَذِهِ أَسْبَابٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعُوا الْجَهْرَ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِ أَنَسًا وَابْنَ الْمُغَفَّلِ مَا سَمِعَاهُ. الرَّابِعُ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنَّهُ كَانَ يقدم

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست