responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 161
نَزَّاعَةً لِلشَّوى
[الْمَعَارِجِ: 15، 16] وَأَسْقَطَ الْفَاءَ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفِرَاقِ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الرُّومِ: 14] وَأَيْضًا قَالَ: لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى [طه: 61] .
فَإِنْ قَالُوا: لَا حَرْفَ مِنَ الْحُرُوفِ إِلَّا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي شَيْءٍ يُوجِبُ نَوْعًا مِنَ الْعَذَابِ فَلَا يَبْقَى لِمَا ذَكَرْتُمْ فَائِدَةٌ، فَنَقُولُ: الْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الْحِجْرِ: 44] وَاللَّهُ تَعَالَى أَسْقَطَ سَبْعَةً مِنَ الْحُرُوفِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَهِيَ أَوَائِلُ أَلْفَاظٍ دَالَّةٍ عَلَى الْعَذَابِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ وَآمَنَ بِهَا وَعَرَفَ حَقَائِقَهَا صَارَ آمِنًا مِنَ الدَّرَكَاتِ السَّبْعِ فِي جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَسْرَارِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ،
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
أسرار الفاتحة:
المسألة الأولى: [البحث عن السؤالين وهما ما الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أنه مستحق الحمد؟] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فكأن سائلًا يقول: الحمد لله مبني عَنْ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وُجُودُ الْإِلَهِ، وَالثَّانِي: كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ وما الدليل على أنه مستحق الحمد؟ وَلَمَّا تَوَّجَّهَ هَذَانِ السُّؤَالَانِ لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَجْرِي مَجْرَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ، فَأَجَابَ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: رَبِّ الْعالَمِينَ وَأَجَابَ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا تَقْرِيرُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنْ عَلِمْنَا بِوُجُودِ الشَّيْءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا، لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْإِلَهِ ضَرُورِيٌّ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّا لَا نَعْرِفُ وُجُودَ الْإِلَهِ بِالضَّرُورَةِ فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ نَظَرِيًّا، وَالْعِلْمُ النَّظَرِيُّ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ إِلَّا بِالدَّلِيلِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ الْمَحْسُوسَ بِمَا فيه من السموات وَالْأَرَضِينَ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ مُحْتَاجٌ إِلَى مُدَبِّرٍ يُدَبِّرُهُ وَمَوْجُودٍ يُوجِدُهُ وَمُرَبٍّ يُرَبِّيهِ وَمُبْقٍ يُبْقِيهِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ إِشَارَةً إِلَى الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ.
ثُمَّ فِيهِ لَطَائِفُ: اللَّطِيفَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْعَالَمِينَ إِشَارَةٌ إِلَى كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ فَقَوْلُهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ مُحْتَاجٌ فِي وُجُودِهِ إِلَى إِيجَادِهِ، وَفِي بَقَائِهِ إِلَى إِبْقَائِهِ، فَكَانَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَكُلَّ جَوْهَرٍ فَرْدٌ وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْأَعْرَاضِ فَهُوَ بُرْهَانٌ بَاهِرٌ وَدَلِيلٌ قاطع على وجود الإله الحكيم القادر القديم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الْإِسْرَاءِ: 44] .
اللَّطِيفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعَالَمِينَ، بَلْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْمُوجِدِ وَالْمُحْدِثِ حَالَ حُدُوثِهَا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا حَالَ بَقَائِهَا هَلْ تَبْقَى مُحْتَاجَةً إِلَى الْمُبْقِي أَمْ لَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: الشَّيْءُ حَالَ بَقَائِهِ يَسْتَغْنِي عَنِ السَّبَبِ، وَالْمُرَبِّي هُوَ الْقَائِمُ بِإِبْقَاءِ الشَّيْءِ وَإِصْلَاحِ حَالِهِ حَالَ بَقَائِهِ، فَقَوْلُهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِينَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ فِي حَالِ بَقَائِهَا، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ افْتِقَارَهَا إِلَى الْمُوجِدِ فِي حَالِ حُدُوثِهَا أَمْرٌ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، أَمَّا افْتِقَارُهَا إِلَى الْمُبْقِي

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست