responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 140
«يَا هُوَ» كَانَ مَعْنَاهُ خَالِيًا عَنِ الْإِشْعَارِ بِالسُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: «هُوَ» أَعْظَمَ الْأَذْكَارِ.
وَلْنَخْتِمْ هَذَا الْفَصْلَ بِذِكْرٍ شَرِيفٍ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: يَا هُوَ، يَا مَنْ لَا هُوَ إِلَّا هُوَ، يَا مَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يَا أَزَلُ، يَا أَبَدُ، يَا دَهْرُ، يَا دَيْهَارُ، يَا دَيْهُورُ، يَا مَنْ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ.
وَمِنْ لَطَائِفِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الشَّيْخَ الْغَزَالِيَّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» تَوْحِيدُ الْعَوَامِّ، «وَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» تَوْحِيدُ الْخَوَاصِّ، وَلَقَدِ اسْتَحْسَنْتُ هَذَا الْكَلَامَ وَقَرَّرْتُهُ بِالْقُرْآنِ وَالْبُرْهَانِ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: 88] مَعْنَاهُ إِلَّا هُوَ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ إِلَّا هُوَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ غَايَةَ التَّوْحِيدِ هِيَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَأَمَّا الْبُرْهَانُ فَهُوَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ تَأْثِيرَ/ الْفَاعِلِ لَيْسَ فِي تَحْقِيقِ الْمَاهِيَّةِ وَتَكْوِينِهَا، بَلْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ إِلَّا فِي إِعْطَاءِ صِفَةِ الْوُجُودِ لَهَا، فَقُلْتُ: فَالْوُجُودُ أَيْضًا مَاهِيَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوُجُودُ وَاقِعًا بِتَأْثِيرِهِ، فَإِنِ الْتَزَمُوا ذَلِكَ وَقَالُوا الْوَاقِعُ بِتَأْثِيرِ الْفَاعِلِ مَوْصُوفِيَّةُ الْمَاهِيَّةِ بِالْوُجُودِ فَنَقُولُ: تِلْكَ الْمَوْصُوفِيَّةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَفْهُومًا مُغَايِرًا لِلْمَاهِيَّةِ وَالْوُجُودِ امْتَنَعَ إِسْنَادُهَا إِلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ كَانَتْ مَفْهُومًا مُغَايِرًا فَذَلِكَ الْمَفْهُومُ الْمُغَايِرُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَاهِيَّةٌ، وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْكَلَامُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَاهِيَّاتِ، يَنْفِي التَّأْثِيرَ وَالْمُؤَثِّرَ، وَيَنْفِي الصُّنْعَ وَالصَّانِعَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَاهِيَّاتِ، فَكُلُّ مَا بِالْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِ الْغَيْرِ، فَلَوْلَا الْمُؤَثِّرُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ مَاهِيَّةً وَلَا حَقِيقَةً، فَبِقُدْرَتِهِ صَارَتِ الْمَاهِيَّاتُ مَاهِيَّاتٍ، وَصَارَتِ الْحَقَائِقُ حَقَائِقَ وَقَبْلَ تَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ فَلَا مَاهِيَّةَ وَلَا وُجُودَ وَلَا حَقِيقَةَ وَلَا ثُبُوتَ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ صِدْقُ قَوْلِنَا: «لَا هُوَ إِلَّا هُوَ» أَيْ: لَا تَقَرُّرَ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ وَلَا تَخَصُّصَ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَقَائِقِ إِلَّا بِتَقْرِيرِهِ وَتَخْصِيصِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ «لَا هُوَ إِلَّا هُوَ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبَابُ الثَّامِنُ فِي بَقِيَّةِ الْمَبَاحِثِ عَنْ أَسْمَاءِ الله تعالى، وفيه مسائل
هل أسماؤه تعالى توقيفية:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ أَمِ اصْطِلَاحِيَّةٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ شَيْءٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِذَا كَانَ وَارِدًا فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: الِاسْمُ غَيْرٌ، وَالصِّفَةُ غَيْرٌ، فَاسْمِي مُحَمَّدٌ، وَاسْمُكَ أَبُو بَكْرٍ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْأَسْمَاءِ، وَأَمَّا الصِّفَاتُ فَمِثْلُ وَصْفِ هَذَا الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ طَوِيلًا فَقِيهًا كَذَا وَكَذَا، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْفَرْقَ فَيُقَالُ: أَمَّا إِطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ، وَأَمَّا الصِّفَاتُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْقِيفِ.
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ الْعَالِمَ لَهُ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ إِنَّا نَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِكَوْنِهِ عَالِمًا وَلَا نَصِفُهُ بِكَوْنِهِ طَبِيبًا وَلَا فَقِيهًا، وَلَا نَصِفُهُ بِكَوْنِهِ مُتَيَقِّنًا وَلَا بِكَوْنِهِ مُتَبَيِّنًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّوْقِيفِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ فَقِيلَ: أَمَّا الطَّبِيبُ فَقَدْ وَرَدَ، نُقِلَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا مَرِضَ قِيلَ لَهُ: نُحْضِرُ الطَّبِيبَ؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدَ دُخُولِ الشُّبْهَةِ فِيهِ. وَهَذَا الْقَيْدُ مُمْتَنِعُ الثُّبُوتِ فِي حَقِّ اللَّهِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 140
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست