responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 137
فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَيْهِ فَيَطْلُبُ شَيْئًا مِنْهَا، وَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْأَسْمَاءِ، أَمَّا إِذَا قَالَ: (يَا هُوَ) فَإِنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ هُوَ، وَهَذَا الذِّكْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ الْبَتَّةَ، فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ نُورُ ذِكْرِهِ، وَلَا يَتَكَدَّرُ ذَلِكَ النُّورُ بِالظُّلْمَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ اللَّهِ، وَهُنَاكَ يَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ النُّورُ التَّامُّ وَالْكَشْفُ الْكَامِلُ.
وَالْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ: إِمَّا صِفَاتُ الْجَلَالِ، وَإِمَّا صِفَاتُ الْإِكْرَامِ، أَمَّا صِفَاتُ الْجَلَالِ فَهِيَ قَوْلُنَا لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا بِجَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي الْمَكَانِ وَلَا فِي الْمَحَلِّ، وَهَذَا فِيهِ دَقِيقَةٌ، لِأَنَّ مَنْ خَاطَبَ السُّلْطَانَ فَقَالَ: أَنْتَ لَسْتَ أَعْمَى وَلَسْتَ أَصَمَّ وَلَسْتَ كَذَا وَلَا كَذَا وَيَعُدُّ أَنْوَاعَ الْمَعَايِبِ وَالنُّقْصَانَاتِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الزَّجْرَ وَالْحَجْرَ وَالتَّأْدِيبَ، وَيُقَالُ: إِنَّ مُخَاطَبَتَهُ بِنَفْيِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْهُ إِسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ، وَأَمَّا صِفَاتُ الْإِكْرَامِ فَهِيَ كَوْنُهُ خَالِقًا لِلْمَخْلُوقَاتِ مُرَتِّبًا لَهَا عَلَى النَّظْمِ الْأَكْمَلِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ دَقِيقَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَا شَكَّ أَنَّ كَمَالَ الْخَالِقِ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ كَمَالِ الْمَخْلُوقِ بِمَرَاتِبَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، فَإِذَا شَرَحْنَا نُعُوتَ كَمَالِ اللَّهِ وَصِفَاتِ جَلَالِهِ بِكَوْنِهِ خَالِقًا لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ فَقَدْ جَعَلْنَا كَمَالَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ كَالشَّرْحِ وَالْبَيَانِ لِكَمَالِ جَلَالِ الْخَالِقِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْرِيفَ الْكَامِلِ الْمُتَعَالِي بِطَرِيقٍ فِي غَايَةِ الْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ، / وَذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ، وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَخَذَ يَمْدَحُ السُّلْطَانَ الْقَاهِرَ بِأَنَّهُ أَعْطَى الْفَقِيرَ الْفُلَانِيَّ كِسْرَةَ خُبْزٍ أَوْ قَطْرَةَ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الزَّجْرَ وَالْحَجْرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نِسْبَةَ جَمِيعِ عَالَمِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى آخِرِ الْخَلَاءِ الَّذِي لَا نِهَايَةَ لَهُ إِلَى مَا فِي خَزَائِنِ قُدْرَةِ اللَّهِ أَقَلُّ مِنْ نِسْبَةِ كِسْرَةِ الْخُبْزِ وَقَطْرَةِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ سُوءَ أَدَبٍ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ سُوءَ أَدَبٍ فَثَبَتَ أَنَّ مَدْحَ اللَّهِ وَثَنَاءَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتُ، إلا أن هاهنا سَبَبًا يُرَخِّصُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَدَائِحِ، وَهُوَ أَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُسْتَغْرِقَةً فِي عَالَمِ الْحِسِّ وَالْخَيَالِ فَالْإِنْسَانُ إِذَا أَرَادَ جَذْبَهَا إِلَى عَتَبَةِ عَالَمِ الْقُدْسِ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يُنَبِّهَهَا عَلَى كَمَالِ الْحَضْرَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَمَالِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ إِلَّا بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، أَعْنِي ذِكْرَ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْإِكْرَامِ فَيُوَاظِبُ عَلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ حَتَّى تُعْرِضَ النَّفْسُ عَنْ عَالَمِ الْحِسِّ وَتَأْلَفَ الْوُقُوفَ عَلَى عَتَبَةِ الْقُدْسِ فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَنَبَّهُ لِمَا فِي ذَيْنِكَ النَّوْعَيْنِ مِنَ الذِّكْرِ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتْرُكُ تِلْكَ الْأَذْكَارَ وَيَقُولُ: (يَا هُوَ) كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: أَجَلُّ حَضْرَتِكَ أَنْ أَمْدَحَكَ وَأُثْنِيَ عَلَيْكَ بِسَلْبِ نَقَائِصِ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْكَ أَوْ بِإِسْنَادِ كَمَالَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَيْكَ، فَإِنَّ كَمَالَكَ أَعْلَى وَجَلَالَكَ أَعْظَمُ، بَلْ لَا أَمْدَحُكَ وَلَا أُثْنِي عَلَيْكَ إِلَّا بِهُوِيَّتِكَ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَلَا أُخَاطِبُكَ أَيْضًا بِلَفْظَةِ (أَنْتَ) لِأَنَّ تِلْكَ اللَّفْظَةَ تُفِيدُ التِّيهَ وَالْكِبْرَ حَيْثُ تَقُولُ الرُّوحُ إِنِّي قَدْ بَلَغْتُ مَبْلَغًا صِرْتُ كَالْحَاضِرِ فِي حَضْرَةِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَلَكِنِّي لَا أَزِيدُ عَلَى قَوْلِي (هُوَ) لِيَكُونَ إِقْرَارًا بِأَنَّهُ هُوَ الْمَمْدُوحُ لِذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وَيَكُونَ إِقْرَارًا بِأَنَّ حَضْرَتَهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُنَاسِبَهُ حُضُورُ الْمَخْلُوقَاتِ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ تُنَبِّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْرَارِ فِي مَقَامَاتِ التَّجَلِّي وَالْمُكَاشَفَاتِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ هَذَا الذِّكْرُ أَشْرَفَ الْأَذْكَارِ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّنْبِيهِ لِهَذِهِ الْأَسْرَارِ.
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: فِي هَذَا الذِّكْرِ: أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ تُفِيدُ الشَّوْقَ إِلَى اللَّهِ، وَالشَّوْقُ إِلَى اللَّهِ أَلَذُّ الْمَقَامَاتِ وَأَكْثَرُهَا بَهْجَةً وَسَعَادَةً، إِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ تُورِثُ الشَّوْقَ إِلَى اللَّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ (هُوَ) ضَمِيرُ الْغَائِبِ فالعبد إِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلِمَ أَنَّهُ غَائِبٌ عَنِ الْحَقِّ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِنُقْصَانَاتِ الْحُدُوثِ وَالْإِمْكَانِ، وَمَعْيُوبٌ بِعَيْبِ الْكَوْنِ فِي إِحَاطَةِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَإِذَا تَنَبَّهَ الْعَقْلُ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ وَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ حَاصِلَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ فَعِنْدَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست