responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 127
قِيلَ: لِمَ وُجِدَ الْعَالَمُ؟ قُلْنَا: لِأَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَدَهُ، فَلَوْ كَانَ كَوْنُ الْمُوجَدِ مُوجَدًا لَهُ مَعْنَاهُ نَفْسُ هَذَا الْأَثَرِ لَكَانَ تَعْلِيلُ وُجُودِ الْأَثَرِ بِالْمُوجِدِيَّةِ يَقْتَضِي تَعْلِيلَ وُجُودِهِ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّلًا بِنَفْسِهِ لَامْتَنَعَ إِسْنَادُهُ إِلَى الْغَيْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُوجِدِيَّةِ بِوُجُودِ الْأَثَرِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُوجِدِيَّةِ، وَمَا أَفْضَى ثُبُوتُهُ إِلَى نَفْيِهِ كَانَ بَاطِلًا، فَثَبَتَ أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُوجِدِيَّةِ بِوُجُودِ الْأَثَرِ كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَوْنُ الْمُوجَدِ مُوجَدًا أَمْرًا مُغَايِرًا لِكَوْنِ الْفَاعِلِ قَادِرًا لِوُجُودِ الْأَثَرِ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّكْوِينَ غَيْرُ الْمُكَوِّنِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْأَصْلَ فَنَقُولُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ التَّكْوِينَ نَفْسُ الْمُكَوِّنِ قَالُوا: مَعْنَى كَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا رَازِقًا مُحْيِيًا مُمِيتًا ضَارًّا نَافِعًا عِبَارَةٌ عَنْ نِسْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَإِضَافَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ تَأْثِيرُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُصُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ التَّكْوِينَ غَيْرُ الْمُكَوِّنِ، فَقَالُوا مَعْنَى كَوْنِهِ خَالِقًا رَازِقًا لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الصِّفَةِ الْإِضَافِيَّةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ إِضَافِيَّةٍ.
اعْلَمْ أَنَّ الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةَ عَلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: كَوْنُهُ مَعْلُومًا مَذْكُورًا مُسَبَّحًا مُمَجَّدًا، فَيُقَالُ: يَا أَيُّهَا الْمُسَبَّحُ بِكُلِّ لِسَانٍ، يَا أَيُّهَا الْمَمْدُوحُ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ، يَا أَيُّهَا الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِضَافَاتِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ كَانَتِ الْأَسْمَاءُ الْمُمْكِنَةُ لِلَّهِ بِحَسَبِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الصِّفَاتِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ. وَثَانِيهَا:
كَوْنُهُ تَعَالَى فَاعِلًا لِلْأَفْعَالِ صِفَةٌ إِضَافِيَّةٌ مَحْضَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَكْوِينَ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْمُخْبَرُ عَنْهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ مُوجِدًا، أَوِ الْمَخْبَرُ عَنْهُ كَوْنُهُ مُوجِدًا لِلنَّوْعِ الْفُلَانِيِّ لِأَجْلِ الْحِكْمَةِ الْفُلَانِيَّةِ، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: - وَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُوجِدًا- فَهَهُنَا أَلْفَاظٌ تَقْرُبُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَرَادِفَةً مِثْلَ:
الْمُوجِدِ، وَالْمُحْدِثِ، وَالْمُكَوِّنِ، وَالْمُنْشِئِ، وَالْمُبْدِعِ، وَالْمُخْتَرِعِ، وَالصَّانِعِ، وَالْخَالِقِ، وَالْفَاطِرِ، وَالْبَارِئِ، فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ عَشَرَةٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ حَاصِلٌ: أَمَّا الِاسْمُ الْأَوَّلُ: - وَهُوَ الْمُوجِدُ- فَمَعْنَاهُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْوُجُودِ، وَأَمَّا الْمُحْدِثُ فَمَعْنَاهُ الَّذِي جَعَلَهُ مَوْجُودًا/ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِيجَادِ، وَأَمَّا الْمُكَوِّنُ فَيَقْرُبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادِفًا للموجود، وَأَمَّا الْمُنْشِئُ فَاشْتِقَاقُهُ مِنَ النُّشُوءِ وَالنَّمَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ قَلِيلًا قَلِيلًا عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَمَّا الْمُبْدِعُ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَهُمَا كَنَوْعَيْنِ تَحْتَ جِنْسِ الْمُوجِدِ. وَالْمُخْتَرِعُ قَرِيبٌ مِنَ الْمُبْدِعِ، وَأَمَّا الصَّانِعُ فَيَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِمَنْ يَأْتِي بِالْفِعْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّكَلُّفِ، وَأَمَّا الْخَالِقُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ، وَهُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ، وَأَمَّا الْفَاطِرُ فَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْفَطْرِ وَهُوَ الشَّقُّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ هُوَ الْإِحْدَاثَ دَفْعَةً، وَأَمَّا الْبَارِئُ فَهُوَ الَّذِي يُحْدِثُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلْمَصْلَحَةِ، يُقَالُ: بَرَى الْقَلَمَ إِذَا أَصْلَحَهُ وَجَعَلَهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مُعَيَّنٍ، فَهَذَا بَيَانُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِهِ مُوجِدًا عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ، أَمَّا الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى إِيجَادِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَتَكَادُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَيَجِبُ أَنْ نَذْكُرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَمْثِلَةً فَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ النَّافِعَ سُمِّيَ نَافِعًا، وَإِذَا خَلَقَ الْمُؤْلِمَ سُمِّيَ ضَارًّا، وَالْمِثَالُ الثَّانِي: إِذَا خَلَقَ الْحَيَاةَ سُمِّيَ مُحْيِيًا، وَإِذَا خَلَقَ الْمَوْتَ سُمِّيَ مُمِيتًا، وَالْمِثَالُ الثَّالِثُ: إِذَا خَصَّهُمْ بِالْإِكْرَامِ سُمِّيَ بَرًّا لَطِيفًا، وَإِذَا خَصَّهُمْ بِالْقَهْرِ سُمِّيَ قَهَّارًا جَبَّارًا، وَالْمِثَالُ الرَّابِعُ: إِذَا قَلَّلَ الْعَطَاءَ سُمِّيَ قَابِضًا، وَإِذَا أَكْثَرَهُ سُمِّيَ بَاسِطًا، وَالْمِثَالُ الْخَامِسُ: إِنْ جَارَى ذَوِي الذُّنُوبِ بِالْعِقَابِ سُمِّيَ مُنْتَقِمًا وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ الْجَزَاءَ سُمِّيَ عَفُوًّا غَفُورًا رَحِيمًا رَحْمَانًا، الْمِثَالُ السَّادِسُ: إِنْ حَصَلَ الْمَنْعُ وَالْإِعْطَاءُ فِي الْأَمْوَالِ سُمِّيَ قَابِضًا بَاسِطًا، وَإِنْ حَصَلَا فِي الْجَاهِ وَالْحِشْمَةِ سُمِّيَ خَافِضًا رافعا.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 127
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست