responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 124
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ: قَالُوا: إِنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْقِدَمَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَلَوْ كَانَتِ الصِّفَاتُ قَدِيمَةً لَكَانَتِ الذَّاتُ مُسَاوِيَةً لِلصِّفَاتِ فِي الْقِدَمِ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفًا لِلْآخَرِ بِخُصُوصِيَّةِ مَاهِيَّتِهِ الْمُعَيَّنَةِ وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ غَيْرُ مَا بِهِ الْمُخَالَفَةُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الْقَدِيمَةِ مُرَكَّبًا مِنْ جُزْأَيْنِ ثُمَّ نَقُولُ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ الْجُزْأَيْنِ قَدِيمًا لِأَنَّ جُزْءَ مَاهِيَّةِ الْقَدِيمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذَانِكَ الْجُزْآنِ يَتَشَارَكَانِ فِي الْقِدَمِ وَيَخْتَلِفَانِ بِالْخُصُوصِيَّةِ، فَيَلْزَمُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرَكَّبًا مِنْ جُزْأَيْنِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ الذَّاتِ وَحَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ مُرَكَّبَةً مِنْ أَجْزَاءٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ تِلْكَ الصِّفَاتِ حَادِثَةً لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ اللَّهِ مُحَالٌ، لِأَنَّ تِلْكَ الذَّاتَ إِنْ كَانَتْ كَافِيَةً فِي وُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ دَوَامِ عَدَمِهَا لَزِمَ دَوَامُ وُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ دَوَامُ عَدَمِهَا بِدَوَامِ تِلْكَ الذَّاتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ تِلْكَ الذَّاتُ وَاجِبَةَ الِاتِّصَافِ بِوُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ عَدَمِهَا، وَذَلِكَ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ يَكُونَانِ مَوْقُوفَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مُنْفَصِلٍ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الْغَيْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْغَيْرِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، يَنْتِجُ أَنَّ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَاتَهُ لَوْ كَانَتْ قَابِلَةً لِلْحَوَادِثِ لَكَانَتْ قَابِلِيَّةُ تِلْكَ الْحَوَادِثِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ كَوْنُ تِلْكَ الْقَابِلِيَّةِ أَزَلِيَّةً لِأَجْلِ كَوْنِ تِلْكَ الذَّاتِ أَزَلِيَّةً، لَكِنْ يَمْتَنِعُ كَوْنُ قَابِلِيَّةِ الْحَوَادِثِ أَزَلِيَّةً، لِأَنَّ قَابِلِيَّةَ الْحَوَادِثِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ وُجُودِ الْحَوَادِثِ، وَإِمْكَانُ وُجُودِ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ مُحَالٌ، فَكَانَ وُجُودُ/ قَابِلِيَّتِهَا فِي الْأَزَلِ مُحَالًا. الثَّالِثُ: أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَمَّا كَانَتْ حَادِثَةً الإله الموصوف بصفات الإلهية مَوْجُودًا قَبْلَ حُدُوثِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الصِّفَاتُ مُسْتَغْنًى عَنْهَا فِي ثُبُوتِ الْإِلَهِيَّةِ، فَوَجَبَ نَفْيُهَا، فَثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً أَوْ قَدِيمَةً، وَثَبَتَ فَسَادُهُمَا فَثَبَتَ امْتِنَاعُ وُجُودِ الصِّفَةِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ تَتِمُّ الْإِلَهِيَّةُ بِدُونِهَا أَوْ لَا تَتِمُّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ وُجُودُهَا فَضْلًا زَائِدًا، فَوَجَبَ نَفْيُهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ الْإِلَهُ مُفْتَقِرًا فِي تَحْصِيلِ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَالْمُحْتَاجُ لَا يَكُونُ إِلَهًا.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: ذَاتُهُ تَعَالَى إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَدَائِحِ وَالْكَمَالَاتِ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَتْ تِلْكَ الذَّاتُ نَاقِصَةً فِي ذَاتِهَا مُسْتَكْمِلَةً بِغَيْرِهَا، وَهَذِهِ الذَّاتُ لَا يَلِيقُ بِهَا صِفَةُ الْإِلَهِيَّةِ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: لَمَّا كَانَ الْإِلَهُ هُوَ مَجْمُوعُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْإِلَهُ مُجَزَّأً مُبَعَّضًا مُنْقَسِمًا، وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَنِ الْعَقْلِ، لِأَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ لَا وَاجِبٌ.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَّرَ النَّصَارَى فِي التَّثْلِيثِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِإِثْبَاتِ ذَوَاتٍ ثَلَاثَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِالذَّاتِ مَعَ الصِّفَاتِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ كَفَّرَهُمْ بِسَبَبِ مَقَالَةٍ هُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَا، فَبَقِيَ الثَّانِي، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِالصِّفَاتِ كُفْرًا.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ يَتَمَسَّكُ بِهَا نُفَاةُ الصِّفَاتِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فعلى هذا التقدير يمتنع أن يحصل الله تَعَالَى اسْمٌ بِسَبَبِ قِيَامِ الصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِهِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 124
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست