responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 109
وَذَاتَهُ الْمَخْصُوصَةَ أَمْرٌ ثَابِتٌ، وَالْمُغَايَرَةَ بَيْنَ السَّلْبِ وَالثُّبُوتِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَأَيْضًا فَذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِ الْقَادِرِيَّةِ وَالْعَالِمِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْقَادِرِيَّةِ وَالْعَالِمِيَّةِ مَفْهُومَاتٌ إِضَافِيَّةٌ، وَذَاتَهُ ذَاتٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْجُودِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ وَبَيْنَ الِاعْتِبَارَاتِ النِّسْبِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ.
الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: فِي بَيَانِ أَنَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا نَعْرِفُ ذَاتَهُ الْمَخْصُوصَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: - الْأَوَّلُ: أَنَّا إِذَا رَجَعْنَا إِلَى عُقُولِنَا وَأَفْهَامِنَا لَمْ نَجِدْ عِنْدَ عُقُولِنَا مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أَحَدَ أُمُورٍ: / أَرْبَعَةٍ:
إِمَّا الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا، وَإِمَّا الْعِلْمَ بِدَوَامِ وَجُودِهِ، وَإِمَّا الْعِلْمَ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَهِيَ الِاعْتِبَارَاتُ السَّلْبِيَّةُ، وَإِمَّا الْعِلْمَ بِصِفَاتِ الْإِكْرَامِ وَهِيَ الِاعْتِبَارَاتُ الْإِضَافِيَّةُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ ذَاتَهُ الْمَخْصُوصَةَ مُغَايِرَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ وُجُودِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ أَيْضًا مُغَايِرَةً لِدَوَامِ وُجُودِهِ، وَثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ سَلْبِيَّةٍ وَغَيْرُ إِضَافِيَّةٍ، وَإِذَا كَانَ لَا مَعْلُومَ عِنْدَ الْخَلْقِ إِلَّا أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ وَثَبَتَ أَنَّهَا مُغَايِرَةٌ لِحَقِيقَتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، ثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْمَخْصُوصَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِلْبَشَرِ.
الثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ التَّامَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَصَوَّرَ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا مِنْ طُرُقِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ:
أَحَدُهَا: الْأَشْيَاءُ الَّتِي أَدْرَكْنَاهَا بِإِحْدَى هَذِهِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَثَانِيهَا: الْأَحْوَالُ الَّتِي نُدْرِكُهَا مِنْ أَحْوَالِ أَبْدَانِنَا كَالْأَلَمِ وَاللَّذَّةِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْفَرَحِ وَالْغَمِّ، وَثَالِثُهَا: الْأَحْوَالُ الَّتِي نُدْرِكُهَا بِحَسَبِ عُقُولِنَا مِثْلُ عِلْمِنَا بِحَقِيقَةِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَالْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَرَابِعُهَا: الْأَحْوَالُ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَالْخَيَالُ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَصَوَّرَهَا وَأَنْ نُدْرِكَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُغَايِرَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ، ثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْخَلْقِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْمَخْصُوصَةَ عِلَّةٌ لِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالْعِلْمُ بِالْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِلْعِلْمِ بِالْمَعْلُولِ، وَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ مَعْلُومَةً لَكَانَتْ صِفَاتُهُ بِأَسْرِهَا مَعْلُومَةً بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فَذَاكَ مَعْدُومٌ، فَثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَقِّ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ.
الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ: فِي بَيَانِ أَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً لِلْبَشَرِ فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ تَصِيرَ مَعْقُولَةً لَهُمْ.
الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ: فِي بَيَانِ أَنَّ الْبَشَرَ وَإِنِ امْتَنَعَ فِي عُقُولِهِمْ إِدْرَاكُ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَهَلْ يُمْكِنُ ذَلِكَ الْعِرْفَانُ فِي حَقِّ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ فِي حَقِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِمْ؟ الْإِنْصَافُ أَنَّ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ صَعْبَةٌ، وَالْعَقْلَ كَالْعَاجِزِ الْقَاصِرِ فِي الْوَفَاءِ بِهَا كَمَا يَنْبَغِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُقُولُ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَعَارِفُهُمْ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْحَقُّ تَعَالَى غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وَالْمُتَنَاهِي يَمْتَنِعُ وُصُولُهُ إِلَى غَيْرِ الْمُتَنَاهِي وَلِأَنَّ أَعْظَمَ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَعْظَمَ الْعُلُومِ عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَعْظَمَ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا بِأَعْظَمِ الْعُلُومِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَعْرِفُ اللَّهَ إِلَّا اللَّهُ.
الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ: اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَشْيَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ: مَعْرِفَةٍ عَرَضِيَّةٍ، وَمَعْرِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ: أَمَّا الْمَعْرِفَةُ الْعَرَضِيَّةُ فَكَمَا إِذَا رَأَيْنَا بناء عَلِمْنَا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَانٍ، فَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ الْبَانِيَ كَيْفَ كَانَ فِي مَاهِيَّتِهِ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِ الْمَاهِيَّاتِ، فَوُجُودُ الْبِنَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا/ الْمَعْرِفَةُ الذَّاتِيَّةُ فَكَمَا إِذَا عَرَفْنَا اللَّوْنَ الْمُعَيَّنَ بِبَصَرِنَا، وَعَرَفْنَا الْحَرَارَةَ بِلَمْسِنَا، وَعَرَفْنَا الصَّوْتَ بِسَمْعِنَا، فَإِنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِلْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ إِلَّا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْمَلْمُوسَةُ، وَلَا حَقِيقَةَ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ إِلَّا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْمَرْئِيَّةُ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: أَنَّا إِذَا عَلِمْنَا احْتِيَاجَ الْمُحْدَثَاتِ إِلَى مُحْدِثٍ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 109
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست