اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 973
لقصد رضا الله، وطلب ثوابه.
{116- 117} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بين تعالى: أن الكفار، الذين كفروا بآيات الله، وكذبوا رسله، أنه لا ينقذهم من عذاب الله منقذ، ولا ينفعهم نافع، ولا يشفع لهم عند الله شافع، وأن أموالهم وأولادهم التي كانوا يعدونها للشدائد والمكاره، لا تفيدهم شيئا، وأن نفقاتهم التي أنفقوها في الدنيا لنصر باطلهم ستضمحل.
وأن مثلها {كَمَثَلِ} حرث أصابته {رِيحٍ} شديدة {فِيهَا صِرٌّ} أي: برد شديد، أو نار محرقة، فأهلكت ذلك الحرث، وذلك بظلمهم فلم يظلمهم الله ويعاقبهم بغير ذنب، وإنما ظلموا أنفسهم.
وهذه كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}
{118- 119} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} هذا تحذير من الله لعباده عن ولاية الكفار، واتخاذهم بطانة، أو خصيصة وأصدقاء، يسرون إليهم، ويفضون لهم بأسرار المؤمنين، فوضح لعباده المؤمنين الأمور الموجبة للبراءة من اتخاذهم بطانة بأنهم لا يألونكم خبالا، أي: هم حريصون غير مقصرين في إيصال الضرر بكم، وقد بدت البغضاء من كلامهم، وفلتات ألسنتهم، وما تخفيه صدورهم، من البغضاء والعداوة، أكبر مما ظهر لكم من أقوالهم وأفعالهم.
فإن كانت لكم فهوم وعقول، فقد وضح الله لكم أمرهم. وأيضا، فما الموجب لمحبتهم واتخاذهم أولياء وبطانة، وقد تعلمون منهم الانحراف العظيم في الدين وفي مقابلة إحسانكم؟
فأنتم مستقيمون على أديان الرسل، تؤمنون بكل رسول أرسله الله، وبكل كتاب أنزله الله، وهم يكفرون بأجل الكتب، وأشرف الرسل، وأنتم تبذلون لهم من الشفقة والمحبة، ما لا يكافئونكم على أقل القليل منه. فكيف تحبونهم، وهم لا يحبونكم، وهم يداهنونكم وينافقونكم، فإذا لقوكم قالوا آمنا، وإذا خلوا مع بني جنسهم، عضوا عليكم الأنامل من شدة الغيظ والبغض لكم ولدينكم.
قال تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} أي: سترون من عز الإسلام وذل الكفر ما يسوؤكم، وتموتون بغيظكم، فلن تدركوا شفاء ذلك بما تقصدون.
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فذلك بين لعباده المؤمنين، ما تنطوي عليه صدور أعداء الدين من الكفار والمنافقين.
{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} عز ونصر وعافية وخير {تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} من إدالة العدو، أو حصول بعض المصائب الدنيوية {يَفْرَحُوا بِهَا} وهذا وصف العدو الشديد عداوته.
لما بين تعالى شدة عداوتهم، وشرح ما هم عليه من الصفات الخبيثة، أمر عباده المؤمنين بالصبر، ولزوم التقوى، وأنهم إذا قاموا بذلك، فلن يضرهم كيد أعدائهم شيئا، فإن الله محيط بهم وبأعمالهم وبمكائدهم، التي يكيدونكم فيها. وقد وعدكم عند القيام بالتقوى، أنهم لا يضرونكم شيئا، فلا تشكوا في حصول ذلك.
{121- 123} {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} إلى آخر القصة. وذلك يوم "أحد" حين خرج -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين، حين وصل المشركون- بجمعهم- إلى قريب من "أحد". فنزلهم -صلى الله عليه وسلم- منازلهم، ورتبهم في مقاعدهم، ونظمهم تنظيما عجيبا، يدل على كمال رأيه وبراعته الكاملة في فنون السياسة والحرب، كما كان كاملا في كل المقامات.
{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} لا يخفى عليه شيء من أموركم.
{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} وهم بنو سلمة وبنو حارثة، لكن تولاهما الباري بلطفه ورعايته وتوفيقه.
{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} فإنهم إذا توكلوا عليه، كفاهم وأعانهم، وعصمهم من وقوع ما يضرهم، في دينهم ودنياهم.
وفي هذه الآية ونحوها، وجوب التوكل وأنه على حسب إيمان العبد، يكون توكله، والتوكل هو اعتماد العبد على ربه في حصول منافعه، ودفع مضاره، فلما ذكر حالهم في "أحد" وما جرى عليهم من المصيبة، أدخل فيها تذكيرهم بنصره، ونعمته عليهم يوم "بدر" ليكونوا شاكرين لربهم، وليخفف هذا هذا، فقال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} في عددكم وعددكم، فكانوا ثلاثمائة، وبضعة عشر، في قلة ظهر، ورثاثة سلاح، وأعداؤهم يناهزون الألف، في كمال العدة والسلاح.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الذي أنعم عليكم بنصره.
{إِذْ تَقُولُ} مبشرا {لِلْمُؤْمِنِينَ} مثبتا لجنانهم: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} أي: من حملتهم هذه بهذا الوجه.
{يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} أي: معلمين علامة الشجعان.
واختلف الناس، هل كان هذا الإمداد حصل فيه من الملائكة مباشرة للقتال، كما قاله بعضهم، أو أن ذلك تثبيت من الله لعباده المؤمنين، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين كما قاله كثير من المفسرين.
ويدل عليه قوله: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وفي هذا أن الأسباب لا يعتمد عليها العبد، بل يعتمد على الله.
وإنما الأسباب وتوفرها، فيها طمأنينة للقلوب، وثبات على الخير.
{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} أي: نصر الله لعباده المؤمنين، لا يعدو أن يكون قطعا لطرف
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 973