اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 95
{211} {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .
بقول تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} تدل على الحق، وعلى صدق الرسل، فتيقنوها وعرفوها، فلم يقوموا بشكر هذه النعمة، التي تقتضي القيام بها.
بل كفروا بها وبدلوا نعمة الله كفرا، فلهذا استحقوا أن ينزل الله عليهم عقابه ويحرمهم من ثوابه، وسمى الله تعالى كفر النعمة تبديلا لها، لأن من أنعم الله عليه نعمة دينية أو دنيوية، فلم يشكرها، ولم يقم بواجبها، اضمحلت عنه وذهبت، وتبدلت بالكفر والمعاصي، فصار الكفر بدل النعمة، وأما من شكر الله تعالى، وقام بحقها، فإنها تثبت وتستمر، ويزيده الله منها.
{212} {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .
يخبر تعالى أن الذين كفروا بالله وبآياته ورسله، ولم ينقادوا لشرعه، أنهم زينت لهم الحياة الدنيا، فزينت في أعينهم وقلوبهم، فرضوا بها، واطمأنوا بها وصارت أهواؤهم وإراداتهم وأعمالهم كلها لها، فأقبلوا عليها، وأكبوا على تحصيلها، وعظموها، وعظموا من شاركهم في صنيعهم، واحتقروا المؤمنين، واستهزأوا بهم وقالوا: أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا؟
وهذا من ضعف عقولهم ونظرهم القاصر، فإن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وسيحصل الشقاء فيها لأهل الإيمان والكفران، بل المؤمن في الدنيا، وإن ناله مكروه، فإنه يصبر ويحتسب، فيخفف الله عنه بإيمانه وصبره ما لا يكون لغيره.
وإنما الشأن كل الشأن، والتفضيل الحقيقي، في الدار الباقية، فلهذا قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فيكون المتقون في أعلى الدرجات، متمتعين بأنواع النعيم والسرور، والبهجة والحبور.
والكفار تحتهم في أسفل الدركات، معذبين بأنواع العذاب والإهانة، والشقاء السرمدي، الذي لا منتهى له، ففي هذه الآية تسلية للمؤمنين، ونعي على الكافرين. ولما كانت الأرزاق الدنيوية والأخروية، لا تحصل إلا بتقدير الله، ولن تنال إلا بمشيئة الله، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر، وأما رزق القلوب من العلم والإيمان، ومحبة الله وخشيته ورجائه، ونحو ذلك، فلا يعطيها إلا من يحب.
{213} {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
(أي: كان الناس) [أي: كانوا مجتمعين على الهدى، وذلك عشرة قرون بعد نوح عليه السلام، فلما اختلفوا في الدين فكفر فريق منهم وبقي الفريق الآخر على الدين، وحصل النزاع وبعث الله الرسل ليفصلوا بين الخلائق ويقيموا الحجة عليهم، وقيل بل كانوا] [1] مجتمعين على الكفر والضلال والشقاء، ليس لهم نور ولا إيمان، فرحمهم الله تعالى بإرسال الرسل إليهم {مُبَشِّرِينَ} من أطاع الله بثمرات الطاعات، من الرزق، والقوة في البدن والقلب، والحياة الطيبة، وأعلى ذلك، الفوز برضوان الله والجنة.
{وَمُنْذِرِينَ} من عصى الله، بثمرات المعصية، من حرمان الرزق، والضعف، والإهانة، والحياة الضيقة، وأشد ذلك، سخط الله والنار.
{وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} وهو الإخبارات الصادقة، والأوامر العادلة، فكل ما اشتملت عليه الكتب، فهو حق، يفصل بين المختلفين في الأصول والفروع، وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع، أن يرد الاختلاف إلى الله وإلى رسوله، ولولا أن في كتابه، وسنة رسوله، فصل النزاع، لما أمر بالرد إليهما.
ولما ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على أهل الكتاب، وكان هذا -[96]- يقتضي اتفاقهم عليها واجتماعهم، فأخبر تعالى أنهم بغى بعضهم على بعض، وحصل النزاع والخصام وكثرة الاختلاف.
فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي أن يكونوا أولى الناس بالاجتماع عليه، وذلك من بعد ما علموه وتيقنوه بالآيات البينات، والأدلة القاطعات، فضلوا بذلك ضلالا بعيدا.
{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} من هذه الأمة {لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ} فكل ما اختلف فيه أهل الكتاب، وأخطأوا فيه الحق والصواب، هدى الله للحق فيه هذه الأمة {بِإِذْنِهِ} تعالى وتيسيره لهم ورحمته.
{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فعمَّ الخلق تعالى بالدعوة إلى الصراط المستقيم، عدلا منه تعالى، وإقامة حجة على الخلق، لئلا يقولوا: {ما جاءنا من بشير ولا نذير} وهدى - بفضله ورحمته، وإعانته ولطفه - من شاء من عباده، فهذا فضله وإحسانه، وذاك عدله وحكمته. [1] زيادة في هامش ب، وبالنظر إلى السياق يظهر أن الأقرب أن هذا محلها، ولهذا وليتسق الكلام يكون آخره هكذا (وقيل بل كانوا مجتمعين على الكفر) ويكون قوله: (أي كان الناس) مكررا.
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 95