اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 707
{123 - 132} {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} .
يمدح تعالى عبده ورسوله، إلياس عليه الصلاة والسلام، بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله، وأنه أمر قومه بالتقوى، وعبادة الله وحده، ونهاهم عن عبادتهم، صنما لهم يقال له "بعل" وتركهم عبادة الله، الذي خلق الخلق، وأحسن خلقهم، ورباهم فأحسن تربيتهم، وأدرَّ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، وأنكم كيف تركتم عبادة من هذا شأنه، إلى عبادة صنم، لا يضر، ولا ينفع، ولا يخلق، ولا يرزق، بل لا يأكل ولا يتكلم؟ " وهل هذا إلا من أعظم الضلال والسفه والغي؟ "
{فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} .
{فَكَذَّبُوهُ} فيما دعاهم إليه، فلم ينقادوا له، قال الله متوعدا لهم: {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أي يوم القيامة في العذاب، ولم يذكر لهم عقوبة دنيوية.
{إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي: الذين أخلصهم الله، ومنَّ عليهم باتباع نبيهم، فإنهم غير محضرين في العذاب، وإنما لهم من الله جزيل الثواب.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} أي: على إلياس {فِي الآخِرِينَ} ثناء حسنا.
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} أي: تحية من الله، ومن عباده عليه.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} فأثنى الله عليه كما أثنى على إخوانه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
{133 - 138} {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} .
وهذا ثناء منه تعالى على عبده ورسوله، لوط بالنبوة والرسالة، ودعوته إلى الله قومه، ونهيهم عن الشرك، وفعل الفاحشة.
فلما لم ينتهوا، نجاه الله وأهله أجمعين، فسروا ليلا فنجوا.
{إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} أي: الباقين المعذبين، وهي زوجة لوط لم تكن على دينه.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} بأن قلبنا عليهم ديارهم {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} حتى همدوا وخمدوا.
{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} أي: على ديار قوم لوط {مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} أي: في هذه الأوقات، يكثر ترددكم إليها ومروركم بها، فلم تقبل الشك والمرية {أَفَلا تَعْقِلُونَ} الآيات والعبر، وتنزجرون عما يوجب الهلاك؟
{139 - 148} {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخر القصة.
وهذا ثناء منه تعالى، على عبده ورسوله، يونس بن متى، كما أثنى على إخوانه المرسلين، بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله، وذكر تعالى عنه، أنه عاقبه عقوبة دنيوية، أنجاه منها بسبب إيمانه وأعماله الصالحة، فقال: {إِذْ أَبَقَ}
أي: من ربه مغاضبا له، ظانا أنه لا يقدر عليه، ويحبسه في بطن الحوت، ولم يذكر الله ما غاضب عليه، ولا ذنبه الذي ارتكبه، لعدم فائدتنا بذكره، وإنما فائدتنا بما ذُكِّرنا عنه أنه أذنب، وعاقبه الله مع كونه من الرسل الكرام، وأنه نجاه بعد ذلك، وأزال عنه الملام، وقيض له ما هو سبب صلاحه.
فلما أبق لجأ {إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} بالركاب والأمتعة، فلما ركب مع غيره، والفلك شاحن، ثقلت السفينة، فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركبان، وكأنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك، فاقترعوا على أن من قرع وغلب، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة، وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه.
فلما [اقترعوا] أصابت القرعة يونس {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي: المغلوبين.
فألقي في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ} وقت التقامه {مُلِيمٌ} أي: فاعل ما يلام عليه، وهو مغاضبته لربه.
{فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} أي: في وقته السابق بكثرة عبادته لربه، وتسبيحه، وتحميده، وفي بطن الحوت حيث قال: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}
{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي: لكانت مقبرته، ولكن بسبب تسبيحه وعبادته لله، نجاه الله تعالى، وكذلك ينجي الله المؤمنين، عند وقوعهم في الشدائد.
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} بأن قذفه الحوت من بطنه بالعراء، وهي الأرض الخالية العارية من كل أحد، بل ربما كانت عارية من الأشجار والظلال. {وَهُوَ سَقِيمٌ} أي: قد سقم ومرض، بسبب حبسه في بطن الحوت، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} تظله بظلها الظليل، لأنها بادرة باردة الظلال، ولا يسقط عليها ذباب، وهذا من لطفه به، وبره.
-[708]-
ثم لطف به لطفا آخر، وامْتَنَّ عليه مِنّة عظمى، وهو أنه أرسله {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ} من الناس {أَوْ يَزِيدُونَ} عنها، والمعنى أنهم إن ما زادوا لم ينقصوا، فدعاهم إلى الله تعالى.
{فَآمَنُوا} فصاروا في موازينه، لأنه الداعي لهم.
{فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} بأن صرف الله عنهم العذاب بعدما انعقدت أسبابه، قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 707