responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 682
{43 - 45} {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} .
يخبر تعالى عن حالة المشركين، عندما تتلى عليهم آيات الله البينات، وحججه الظاهرات، وبراهينه القاطعات، الدالة على كل خير، الناهية عن كل شر، التي هي أعظم نعمة جاءتهم، ومِنَّةٍ وصلت إليهم، الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق، والانقياد، والتسليم، أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي، ويكذبون من جاءهم بها ويقولون: {مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} أي: هذا قصده، حين يأمركم بالإخلاص لله، لتتركوا عوائد آبائكم، الذين تعظمون وتمشون خلفهم، فردوا الحق، بقول الضالين، ولم يوردوا [1] برهانا، ولا شبهة.
فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين، باتباع الحق، فادَّعوا أن إخوانهم، الذين على طريقتهم، لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة، ورد الحق، بأقوال الضالين، إذا تأملت كل حق رد، فإذا هذا مآله لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين، والدهريين، والفلاسفة، والصابئين، والملحدين في دين الله، المارقين، فهم أسوة كل من رد الحق إلى يوم القيامة.
ولما احتجوا بفعل آبائهم، وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل، طعنوا بعد هذا بالحق، {وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى} أي: كذب افتراه هذا الرجل، الذي جاء به. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي: سحر ظاهر بيِّن لكل أحد، تكذيبا بالحق، وترويجا على السفهاء.
ولما بيَّن ما ردوا به الحق، وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة، فضلا أن تكون حجة، ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يحتج لهم، فإنهم لا مستند لهم، ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا فقال: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} حتى تكون عمدة لهم {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله، ما يدفعون به، ما جئتهم به، فليس عندهم علم، ولا أثارة من علم.
ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين [قبلهم] فقال: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا} أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون {مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} {فَكَذَّبُوا} أي: الأمم الذين من قبلهم {رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: إنكاري عليهم، وعقوبتي إياهم. قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال، وأن منهم من أغرقه، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم، وبالصيحة، وبالرجفة، وبالخسف بالأرض، وبإرسال الحاصب من السماء، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون، أن تدوموا على التكذيب، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم، ويصيبكم ما أصابهم.

[1] كذا في ب، وفي أ: ولم يردوا.
{46 - 50} {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ} .
أي -[683]- {قُلْ} يا أيها الرسول، لهؤلاء المكذبين المعاندين، المتصدين لرد الحق وتكذيبه، والقدح بمن جاء به: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي: بخصلة واحدة، أشير عليكم بها، وأنصح لكم في سلوكها، وهي طريق نصف، لست أدعوكم بها إلى اتباع قولي، ولا إلى ترك قولكم، من دون موجب لذلك، وهي: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} أي: تنهضوا بهمة، ونشاط، وقصد لاتباع الصواب، وإخلاص لله، مجتمعين، ومتباحثين في ذلك، ومتناظرين، وفرادى، كل واحد يخاطب نفسه بذلك.
فإذا قمتم لله، مثنى وفرادى، استعملتم فكركم، وأجلتموه، وتدبرتم أحوال رسولكم، هل هو مجنون، فيه صفات المجانين من كلامه، وهيئته، وصفته؟ أم هو نبي صادق، منذر لكم ما يضركم، مما أمامكم من العذاب الشديد؟
فلو قبلوا هذه الموعظة، واستعملوها، لتبين لهم أكثر من غيرهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بمجنون، لأن هيئاته [1] ليست كهيئات المجانين، في خنقهم، واختلاجهم، ونظرهم، بل هيئته أحسن الهيئات، وحركاته أجل الحركات، وهو أكمل الخلق، أدبا، وسكينة، وتواضعا، ووقارا، لا يكون [إلا] لأرزن الرجال عقلا.
ثم [إذا] تأملوا كلامه الفصيح، ولفظه المليح، وكلماته التي تملأ القلوب، أمنا، وإيمانا، وتزكى النفوس، وتطهر القلوب، وتبعث على مكارم الأخلاق، وتحث على محاسن الشيم، وترهب [2] عن مساوئ الأخلاق ورذائلها، إذا تكلم رمقته العيون، هيبة وإجلالا وتعظيما.
فهل هذا يشبه هذيان المجانين، وعربدتهم، وكلامهم الذي يشبه أحوالهم؟ "
فكل من تدبر أحواله ومقصده استعلام هل هو رسول الله أم لا؟ سواء تفكر وحده، أو مع غيره، جزم بأنه رسول الله حقا، ونبيه صدقا، خصوصا المخاطبين، الذي هو صاحبهم يعرفون أول أمره وآخره.
وثَمَّ مانع للنفوس آخر عن اتباع الداعي إلى الحق، وهو أنه يأخذ أموال من يستجيب له، ويأخذ أجرة على دعوته. فبين الله تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} أي: على اتباعكم للحق {فَهُوَ لَكُمْ} أي: فأشهدكم أن ذلك الأجر - على التقدير - أنه لكم، {إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي: محيط علمه بما أدعو إليه، فلو كنت كاذبا، لأخذني بعقوبته، وشهيد أيضا على أعمالكم، سيحفظها عليكم، ثم يجازيكم بها.
ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق، وبطلان الباطل، أخبر تعالى أن هذه سنته وعادته أن {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} لأنه بين من الحق في هذا الموضع، ورد به أقوال المكذبين، ما كان عبرة للمعتبرين، وآية للمتأملين.
فإنك كما ترى، كيف اضمحلت أقوال المكذبين، وتبين كذبهم وعنادهم، وظهر الحق وسطع، وبطل الباطل وانقمع، وذلك بسبب بيان {عَلامُ الْغُيُوبِ} الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب، من الوساوس والشبه، ويعلم ما يقابل ذلك، ويدفعه من الحجج.

[1] في ب: هيئته.
[2] في ب: وتزجر.
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 682
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست