responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 681
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} مستفهمين لهم ومخبرين أن الجميع مشتركون في الجرم: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} أي: بقوتنا وقهرنا لكم. {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} أي: مختارين للإجرام، لستم مقهورين عليه، وإن كنا قد زينا لكم، فما كان لنا عليكم من سلطان.
{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أي: بل الذي دهانا منكم، ووصل إلينا من إضلالكم، ما دبرتموه من المكر، في الليل والنهار، إذ تُحَسِّنون لنا الكفر، وتدعوننا إليه، وتقولون: إنه الحق، وتقدحون في الحق وتهجنونه، وتزعمون أنه الباطل، فما زال مكركم بنا، وكيدكم إيانا، حتى أغويتمونا وفتنتمونا.
فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا تبري بعضهم من بعض، والندامة العظيمة، ولهذا قال: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب، وعلم أنه ظالم مستحق له، فندم كل منهم غاية الندم، وتمنى أن لو كان على الحق، [وأنه] ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب، سرا في أنفسهم، لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. وفي بعض مواقف القيامة، وعند دخولهم النار، يظهرون ذلك الندم جهرا.
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} الآيات
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ}
{وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى {إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} الآيات
{هَلْ يُجْزَوْنَ} في هذا العذاب والنكال وتلك الأغلال الثقال {إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الكفر والفسوق والعصيان

{34 - 39} {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} .
يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل، أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله إذا أرسل رسولا في قرية من القرى، كفر به مترفوها، وأبطرتهم نعمتهم وفخروا بها.
{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} أي: ممن اتبع الحق {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أي: أولا لسنا بمبعوثين، فإن بعثنا، فالذي أعطانا الأموال والأولاد في الدنيا، سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة ولا يعذبنا.
فأجابهم الله تعالى، بأن بسط الرزق وتضييقه، ليس دليلا على ما زعمتم، فإن الرزق تحت مشيئة الله، إن شاء بسطه لعبده، وإن شاء ضيقه.
وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى، الإيمان بما جاء به المرسلون، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان، فأولئك لهم الجزاء عند الله تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لا يعلمها إلا الله، {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} أي: في المنازل العاليات المرتفعات جدا، ساكنين فيها مطمئنين، آمنون من المكدرات والمنغصات، لما هم فيه من اللذات، وأنواع المشتهيات، وآمنون من الخروج منها والحزن فيها.
وأما الذين سعوا في آياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسلنا والتكذيب فـ {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}
ثم أعاد تعالى أنه {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} ليرتب عليه قوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} نفقة واجبة، أو مستحبة، على قريب، أو جار، أو مسكين، أو يتيم، أو غير ذلك، {فَهُوَ} تعالى {يُخْلِفُهُ} فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق، بل وعد بالخلف للمنفق، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فاطلبوا الرزق منه، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها.

{40 - 42} {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} .
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أي: العابدين لغير الله -[682]- والمعبودين من دونه، من الملائكة. {ثُمَّ يَقُولُ} الله {لِلْمَلائِكَةِ} على وجه التوبيخ لمن عبدهم {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} فتبرأوا من عبادتهم.
و {قَالُوا سُبْحَانَكَ} أي: تنزيها لك وتقديسا، أن يكون لك شريك، أو ند {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} فنحن مفتقرون إلى ولايتك، مضطرون إليها، فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف نصلح لأن نتخذ من دونك أولياء وشركاء؟ "
ولكن هؤلاء المشركون {كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} أي: الشياطين، يأمرون [1] بعبادتنا أو عبادة غيرنا، فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم هي عبادتهم، لأن العبادة الطاعة، كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه آلهة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}
{أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} أي مصدقون للجن منقادون لهم لأن الإيمان هو التصديق الموجب للانقياد
فلما تبرأوا منهم قال تعالى مخاطبا لهم {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} تقطعت بينكم الأسباب وانقطع بعضكم من بعض {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} بالكفر والمعاصي - بعد ما ندخلهم النار - {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} فاليوم عاينتموها ودخلتموها جزاء لتكذيبكم وعقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب من عدم الهرب من أسبابها

[1] في ب: يأمرونهم.
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 681
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست