اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 642
{38 - 39} {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} .
أي: فأعط القريب منك -على حسب قربه وحاجته- حقه الذي أوجبه الشارع أو حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والإكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته. وكذلك [آت] المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من إطعامه وسقيه وكسوته.
{وَابْنَ السَّبِيلِ} الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة، لأنه لا مال معه ولا كسب قد دبر نفسه به [في] سفره، بخلاف الذي في بلده، فإنه وإن لم يكن له مال ولكن لا بد -في الغالب- أن يكون في حرفة أو صناعة ونحوها تسد حاجته، ولهذا جعل الله في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل. {ذَلِكَ} أي: إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل {خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ} بذلك العمل {وَجْه اللَّهِ} أي: خير غزير وثواب كثير لأنه من أفضل الأعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الإخلاص.
فإن لم يرد به وجه الله لم يكن خيرا لِلْمُعْطِي وإن كان خيرا ونفعا لِلْمُعْطى كما قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} مفهومها أن هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما.
وقوله: {وَأُولَئِكَ} الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه الله {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بثواب الله الناجون من عقابه.
ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [من النفقات] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند الله لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند الله.
{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} أي: مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى. {تُرِيدُونَ} بذلك {وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي: المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند الله ويربيها الله لهم حتى تكون شيئا كثيرا.
-[643]-
ودل قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو: أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي.
{36 - 37} {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرخاء والشدة أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي:: حال تسوؤهم وذلك {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من المعاصي. {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} فالقنوط بعد ما علم أن الخير والشر من الله والرزق سعته وضيقه من تقديره ضائع ليس له محل. فلا تنظر أيها العاقل لمجرد الأسباب بل اجعل نظرك لمسببها ولهذا قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فهم الذين يعتبرون بسط الله لمن يشاء وقبضه، ويعرفون بذلك حكمة الله ورحمته وجوده وجذب القلوب لسؤاله في جميع مطالب الرزق.
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 642