اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 593
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أي: اجعل لي ثناء صدق، مستمر إلى آخر الدهر. فاستجاب الله دعاءه، فوهب له من العلم والحكم، ما كان به من أفضل المرسلين، وألحقه بإخوانه المرسلين، وجعله محبوبا مقبولا معظما مثنًى عليه، في جميع الملل، في كل الأوقات.
قال تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} .
{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} أي: من أهل الجنة، التي يورثهم الله إياها، فأجاب الله دعاءه، فرفع منزلته في جنات النعيم.
{وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} وهذا الدعاء، بسبب الوعد الذي قال لأبيه: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} .
{وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} أي: بالتوبيخ على بعض الذنوب، والعقوبة عليها والفضيحة، بل أسعدني في ذلك اليوم الذي {لا يَنْفَعُ} فيه {مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} فهذا الذي ينفعه عندك وهذا الذي ينجو به من العقاب ويستحق جزيل الثواب
والقلب السليم معناه الذي سلم من الشرك والشك ومحبة الشر والإصرار على البدعة والذنوب ويلزم من سلامته مما ذكر اتصافه بأضدادها من الإخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزيينه في قلبه وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله وهواه تابعا لما جاء عن الله
ثم ذكر من صفات ذلك اليوم العظيم وما فيه من الثواب والعقاب فقال {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} أي قربت {لِلْمُتَّقِينَ} ربهم الذين امتثلوا أوامره واجتنبوا زواجره واتقوا سخطه وعقابه
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} أي برزت واستعدت بجميع ما فيها من العذاب {لِلْغَاوِينَ} الذين أوضعوا في معاصي الله وتجرأوا على محارمه وكذبوا رسله وردوا ما جاءوهم به من الحق {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} بأنفسهم أي فلم يكن من ذلك من شيء وظهر كذبهم وخزيهم ولاحت خسارتهم وفضيحتهم وبان ندمهم وضل سعيهم
{فَكُبْكِبُوا فِيهَا} أي ألقوا في النار {هُمْ} أي ما كانوا يعبدون {وَالْغَاوُونَ} العابدون لها
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} من الإنس والجن الذين أزَّهم إلى المعاصي أزًّا وتسلط عليهم بشركهم وعدم إيمانهم فصاروا من دعاته والساعين في مرضاته وهم ما بين داع لطاعته ومجيب لهم ومقلد لهم على شركهم
{قَالُوا} أي جنود إبليس الغاوون لأصنامهم وأوثانهم التي عبدوها {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} في العبادة والمحبة والخوف والرجاء وندعوكم كما ندعوه فتبين لهم حينئذ ضلالهم وأقروا بعدل الله في عقوبتهم وأنها في محلها وهم لم يسووهم برب العالمين إلا في العبادة لا في الخلق بدليل قولهم {برب العالمين} إنهم مقرون أن الله رب العالمين كلهم الذين من جملتهم أصنامهم وأوثانهم
{وَمَا أَضَلَّنَا} عن طريق الهدى والرشد ودعانا إلى طريق الغي -[594]- والفسق {إِلا الْمُجْرِمُونَ} وهم الأئمة الذين يدعون إلى النار
{فَمَا لَنَا} حينئذ {مِنْ شَافِعِينَ} يشفعون لنا لينقذونا من عذابه
{وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} أي قريب مصاف ينفعنا بأدنى نفع كما جرت العادة بذلك في الدنيا فأيسوا من كل خير وأبلسوا بما كسبوا وتمنوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي رجعة إلى الدنيا وإعادة إليها {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} لنسلم من العقاب ونستحق الثواب هيهات هيهات قد حيل بينهم وبين ما يشتهون وقد غلقت منهم الرهون
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الذي ذكرنا لكم ووصفنا {لآيَةً} لكم {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} مع نزول الآيات {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 593