اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 448
{93} {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .
أي: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ} لجمع الناس على الهدى وجعلهم {أُمَّةً وَاحِدَةً} ولكنه تعالى المنفرد بالهداية والإضلال، وهدايته وإضلاله من أفعاله التابعة لعلمه وحكمته، يعطي الهداية من يستحقها فضلا ويمنعها من لا يستحقها عدلا. {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير وشر فيجازيكم عليها أتم الجزاء وأعدله.
{94} {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
أي: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ} وعهودكم ومواثيقكم تبعا لأهوائكم متى شئتم وفيتم بها، ومتى شئتم نقضتموها، فإنكم إذا فعلتم ذلك تزل أقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم، {وَتَذُوقُوا السُّوءَ} أي: العذاب الذي يسوءكم ويحزنكم {بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} حيث ضللتم وأضللتم غيركم {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} مضاعف.
{95 - 97} {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
يحذر تعالى عباده من نقض العهود والأيمان لأجل متاع الدنيا وحطامها فقال: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} تنالونه بالنقض وعدم الوفاء {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ} من الثواب العاجل والآجل لمن آثر رضاه، وأوفى بما عاهد عليه الله {هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} من حطام الدنيا الزائلة {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الذي عندكم ولو كثر جدا لا بد أن {يَنْفَدُ} ويفنى، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ببقائه لا يفنى ولا يزول، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس وهذا كقوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ} وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا خصوصا الزهد المتعين وهو الزهد فيما يكون ضررا على العبد ويوجب له الاشتغال عما أوجب الله عليه وتقديمه -[449]- على حق الله فإن هذا الزهد واجب
ومن الدواعي للزهد أن يقابل العبد لذات الدنيا وشهواتها بخيرات الآخرة فإنه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه إلى إيثار أعلى الأمرين وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة كالصلاة والصيام والذكر ونحوها بل لا يكون العبد زاهدا زهدا صحيحا حتى يقوم بما يقدر عليه من الأوامر الشرعية الظاهرة والباطنة ومن الدعوة إلى الله وإلى دينه بالقول والفعل فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا والرغبة والسعي في كل ما ينفع.
{وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} على طاعة الله وعن معصيته وفطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية المضرة يدينهم {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ولهذا ذكر جزاء العاملين في الدنيا والآخرة فقال {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها بل لا تسمى أعمالا صالحة إلا بالإيمان والإيمان مقتض لها فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} في الآخرة {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من أصناف اللذات مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 448