responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 427
{44 - 46} {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} أي: صف لهم صفة تلك الحال وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: ردَّنا إلى الدنيا فإنا قد أبصرنا، {نُجِبْ دَعْوَتَكَ} والله يدعو إلى دار السلام {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} وهذا كله لأجل التخلص من العذاب وإلا فهم كذبة في هذا الوعد {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}
ولهذا يوبخون ويقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} عن الدنيا وانتقال إلى الآخرة، فها قد تبين حنثكم في إقسامكم، -[428]- وكذبكم فيما تدعون، {وَ} ليس عملكم قاصر في الدنيا من أجل الآيات البينات، بل {سَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} من أنواع العقوبات؟ وكيف أحل الله بهم العقوبات، حين كذبوا بالآيات البينات، وضربنا لكم الأمثال الواضحة التي لا تدع أدنى شك في القلب إلا أزالته، فلم تنفع فيكم تلك الآيات بل أعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار، ووصلتم إلى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل.
{وَقَدْ مَكَرُوا} أي: المكذبون للرسل {مَكْرَهُمْ} الذي وصلت إرادتهم وقدر لهم عليه، {وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ} أي: هو محيط به علما وقدرة فإنه عاد مكرهم عليهم {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}
{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} أي: ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي: {مكروا مكرا كبارا} لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم.
ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا أو يبطل حقا، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئا، ولم يضروا الله شيئا وإنما ضروا أنفسهم.

{42 - 43} ثم قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} .
هذا وعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين، يقول تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق، وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} والظلم -هاهنا- يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله. {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ} أي: لا تطرف من شدة ما ترى من الأهوال وما أزعجها من القلاقل.
{مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين إلى إجابة الداعي حين يدعوهم إلى الحضور بين يدي الله للحساب لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ، {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أي: رافعيها قد غُلَّتْ أيديهم إلى الأذقان، فارتفعت لذلك رءوسهم، {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أي: أفئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت إلى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق.

{39} {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} .
فهبتهم من أكبر النعم، وكونهم على الكبر في حال الإياس من الأولاد نعمة أخرى، وكونهم أنبياء صالحين أجل وأفضل، {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} أي: لقريب الإجابة ممن دعاه وقد دعوته فلم يخيب رجائي، ثم دعا لنفسه ولذريته، فقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} فاستجاب الله له في ذلك كله إلا أن دعاءه لأبيه إنما كان عن موعدة وعده إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه

{37} {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} .
وذلك أنه أتى بـ "هاجر" أم إسماعيل وبابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو في الرضاع، من الشام حتى وضعهما في مكة وهي -إذ ذاك- ليس فيها سكن، ولا داع ولا مجيب، فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء فقال -متضرعا متوكلا على ربه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} أي: لا كل ذريتي لأن إسحاق في الشام وباقي بنيه كذلك وإنما أسكن في مكة إسماعيل وذريته، وقوله: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} أي: لأن أرض مكة لا تصلح للزراعة.
{رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة لأن إقامة الصلاة من أخص وأفضل العبادات الدينية فمن أقامها كان مقيما لدينه، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي: تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه.
فأجاب الله دعاءه فأخرج من ذرية إسماعيل محمدا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي وإلى ملة أبيهم إبراهيم فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة.
وافترض الله حج هذا البيت الذي أسكن به ذرية إبراهيم وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرا على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد شوقه وعظم ولعه وتوقه، وهذا سر إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة.
{وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} فأجاب الله دعاءه، فصار يجبي إليه ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة المشرفة كل وقت والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.

{38} {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} .
أي: أنت أعلم بنا منا، فنسألك من تدبيرك وتربيتك لنا أن تيسر لنا من الأمور التي نعلمها والتي لا نعلمها ما هو مقتضى علمك ورحمتك، {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} ومن ذلك هذا الدعاء الذي لم يقصد به الخليل إلا الخير وكثرة الشكر لله رب العالمين.

اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 427
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست