اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 389
{96 - 101} وقوله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} .
إلى آخر القصة [1] يقول تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى} بن عمران {بِآيَاتِنَا} الدالة على صدق ما جاء به، كالعصا، واليد ونحوهما، من الآيات التي أجراها الله على يدي موسى عليه السلام.
{وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: حجة ظاهرة بينة، ظهرت ظهور الشمس.
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي: أشراف قومه لأنهم المتبوعون، وغيرهم تبع لهم، فلم ينقادوا لما مع موسى من الآيات، التي أراهم إياها، كما تقدم بسطها في سورة الأعراف، ولكنهم {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} بل هو ضال غاو، لا يأمر إلا بما هو ضرر محض، لا جرم - لما اتبعه قومه - أرداهم وأهلكهم. [1] في ب: أورد الآيات إلى قوله تعالى: " وما زادوهم غير تتبيت ".
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ} أي في الدنيا {لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي يلعنهم الله وملائكته والناس أجمعون في الدنيا والآخرة
{بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} أي بئس ما اجتمع لهم وترادف عليهم من عذاب الله ولعنة الدنيا والآخرة
ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم قال الله تعالى لرسوله {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} لتنذر به ويكون آية على رسالتك وموعظة وذكرى للمؤمنين
{مِنْهَا قَائِمٌ} لم يتلف بل بقي من آثار ديارهم ما يدل عليهم {وَ} منها {حَصِيدٌ} قد تهدمت مساكنهم واضمحلت منازلهم فلم يبق لها أثر
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بأخذهم بأنواع العقوبات {وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالشرك والكفر والعناد
{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} وهكذا كل من التجأ إلى غير الله لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد
{وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أي خسار ودمار بالضد مما خطر ببالهم
{102} {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} .
أي: يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم، ما كانوا يدعون، من دون الله من شيء.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور، من أخذه -[390]- للظالمين، بأنواع العقوبات، {لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} أي: لعبرة ودليلا على أن أهل الظلم والإجرام، لهم العقوبة الدنيوية، والعقوبة الأخروية، ثم انتقل من هذا، إلى وصف الآخرة فقال: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} أي: جمعوا لأجل ذلك اليوم، للمجازاة، وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم، ما به يعرفونه حق المعرفة.
{وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} أي: يشهده الله وملائكته، وجميع المخلوقين.
{وَمَا نُؤَخِّرُهُ} أي: إتيان يوم القيامة {إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ} إذا انقضى أجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق، فحينئد ينقلهم إلى الدار الأخرى، ويجري عليهم أحكامه الجزائية، كما أجرى عليهم في الدنيا، أحكامه الشرعية.
{يَوْمَ يَأْتِ} ذلك اليوم، ويجتمع الخلق {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ} حتى الأنبياء، والملائكة الكرام، لا يشفعون إلا بإذنه، {فَمِنْهُمْ} أي: الخلق {شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} فالأشقياء، هم الذين كفروا بالله، وكذبوا رسله، وعصوا أمره، والسعداء، هم: المؤمنون المتقون.
وأما جزاؤهم {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} أي: حصلت لهم الشقاوة، والخزي والفضيحة، {فَفِي النَّارِ} منغمسون في عذابها، مشتد عليهم عقابها، {لَهُمْ فِيهَا} من شدة ما هم فيه {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} وهو أشنع الأصوات وأقبحها.
{خَالِدِينَ فِيهَا} أي: في النار، التي هذا عذابها {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} أي: خالدين فيها أبدا، إلا المدة التي شاء الله، أن لا يكونوا فيها، وذلك قبل دخولها، كما قاله جمهور المفسرين، فالاستثناء على هذا، راجع إلى ما قبل دخولها، فهم خالدون فيها جميع الأزمان، سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها.
{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فكل ما أراد فعله واقتضته حكمته فعله، تبارك وتعالى، لا يرده أحد عن مراده.
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} أي: حصلت لهم السعادة، والفلاح، والفوز {فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ثم أكد ذلك بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي: ما أعطاهم الله من النعيم المقيم، واللذة العالية، فإنه دائم مستمر، غير منقطع بوقت من الأوقات، نسأل الله الكريم من فضله.
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 389