responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 379
{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ} .
{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ} أي: ليسوا فائتين الله، لأنهم تحت قبضته وفي سلطانه.
{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} فيدفعون عنهم المكروه، أو يحصلون لهم ما ينفعهم، بل تقطعت بهم الأسباب.
{يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} أي: يغلظ ويزداد، لأنهم ضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم.
{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أي: من بغضهم للحق ونفورهم عنه، ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا آيات الله سماعا ينتفعون به {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} {وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} أي ينظرون نظر -[380]- عبرة وتفكر فيما ينفعهم وإنما هم كالصم البكم الذين لا يعقلون
{أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} حيث فوتوها أعظم الثواب واستحقوا أشد العذاب {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي اضمحل دينهم الذي يدعون إليه ويحسنونه ولم تغن عنهم آلهتهم التي يعبدون من دون الله لما جاء أمر ربك
{لا جَرَمَ} أي حقا وصدقا {أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ} حصر الخسار فيهم بل جعل لهم منه أشده لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة والعذاب نستجير بالله من حالهم
ولما ذكر حال الأشقياء ذكر أوصاف السعداء وما لهم عند الله من الثواب فقال

{17} {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} .
يذكر تعالى، حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه، وحججه الموقنين بذلك، وأنهم لا يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم، فقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} بالوحي الذي أنزل [1] الله فيه المسائل المهمة، ودلائلها الظاهرة، فتيقن تلك البينة.
{وَيَتْلُوهُ} أي: يتلو هذه البينة والبرهان برهان آخر {شَاهِدٌ مِنْهُ} وهو شاهد الفطرة المستقيمة، والعقل الصحيح، حين شهد حقيقة ما أوحاه الله وشرعه، وعلم بعقله حسنه، فازداد بذلك إيمانا إلى إيمانه.
{وَ} ثم شاهد ثالث وهو {كِتَابُ مُوسَى} التوراة التي جعلها الله {إِمَامًا} للناس {وَرَحْمَةً} لهم، يشهد لهذا القرآن بالصدق، ويوافقه فيما جاء به من الحق.
أي: أفمن كان بهذا الوصف قد تواردت عليه شواهد الإيمان، وقامت لديه أدلة اليقين، كمن هو في الظلمات والجهالات، ليس بخارج منها؟!
لا يستوون عند الله، ولا عند عباد الله، {أُولَئِكَ} أي: الذين وفقوا لقيام الأدلة عندهم، {يُؤْمِنُونَ} بالقرآن حقيقة، فيثمر لهم إيمانهم كل خير في الدنيا والآخرة.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ} أي: القرآن {مِنَ الأحْزَابِ} أي: سائر طوائف أهل الأرض، المتحزبة على رد الحق، {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} لا بد من وروده إليها {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} أي: في أدنى شك {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} إما جهلا منهم وضلالا وإما ظلما وعنادا وبغيا، وإلا فمن كان قصده حسنا وفهمه مستقيما، فلا بد أن يؤمن به، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه.

[1] كذا في ب، وفي أ: أنزله.
{18 - 22} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} .
يخبر تعالى أنه لا أحد {أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ويدخل في هذا كل من كذب على الله، بنسبة الشريك له، أو وصفه بما لا يليق بجلاله، أو الإخبار عنه، بما لم يقل، أو ادعاء النبوة، أو غير ذلك من الكذب على الله، فهؤلاء أعظم الناس ظلما {أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} ليجازيهم بظلمهم، فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد {يَقُولُ الأشْهَادُ} أي: الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} أي: لعنة لا تنقطع، لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما، لا يقبل التخفيف.
ثم وصف ظلمهم فقال: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فصدوا بأنفسهم عن سبيل الله، وهي سبيل الرسل، التي دعوا الناس إليها، وصدوا غيرهم عنها، فصاروا أئمة يدعون إلى النار.
{وَيَبْغُونَهَا} أي: سبيل الله {عِوَجًا} أي: يجتهدون في ميلها، وتشيينها، وتهجينها، لتصير عند الناس غير مستقيمة، فيحسنون الباطل ويقبحون الحق، قبحهم الله {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} .
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 379
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست