responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 306
{160} {وَقَطَّعْنَاهُمُ} أي: قسمناهم {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} أي: اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة، كل بني رجل من أولاد يعقوب قبيلة.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ} أي: طلبوا منه أن يدعو الله تعالى، أن يسقيهم ماء يشربون منه وتشرب منه مواشيهم، وذلك لأنهم - والله أعلم - في محل قليل الماء.
فأوحى الله لموسى إجابة لطلبتهم {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} يحتمل أنه حجر معين، ويحتمل أنه اسم جنس، يشمل أي حجر كان، فضربه {فَانْبَجَسَتْ} أي: انفجرت من ذلك الحجر {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} جارية سارحة.
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} أي: قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة، وجعل لكل منهم عينا، فعلموها، واطمأنوا، واستراحوا من التعب والمزاحمة، والمخاصمة، وهذا من تمام نعمة الله عليهم.
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} فكان يسترهم من حر الشمس {وَأَنزلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ} وهو الحلوى، {وَالسَّلْوَى} وهو لحم طير من أنواع الطيور وألذها، فجمع الله لهم بين الظلال، والشراب، والطعام الطيب، من الحلوى واللحوم، على وجه الراحة والطمأنينة.
وقيل لهم: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا} حين لم يشكروا الله، ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم.
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث فوتوها كل خير، وعرضوها للشر والنقمة، وهذا كان مدة لبثهم في التيه.

{161} {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} أي: ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا، وهي (إيلياء) {وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} أي: قرية كانت كثيرة الأشجار، غزيرة الثمار، رغيدة العيش، فلذلك أمرهم الله أن يأكلوا منها حيث شاءوا.
{وَقُولُوا} حين تدخلون الباب: {حِطَّةٌ} أي: احطط عنا خطايانا، واعف عنا.
{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} أي: خاضعين لربكم مستكينين لعزته، شاكرين لنعمته، فأمرهم بالخضوع، وسؤال المغفرة، ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل فقال: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ} من خير الدنيا والآخرة، فلم يمتثلوا هذا الأمر الإلهي، بل {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: عصوا الله واستهانوا بأمره {قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} فقالوا بدل طلب المغفرة، وقولهم: {حِطَّة} (حبة في شعيرة) ، وإذا بدلوا القول - مع يسره وسهولته - فتبديلهم للفعل من باب أولى، ولهذا دخلوا وهم يزحفون على أستاههم.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} حين خالفوا أمر الله وعصوه {رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} أي: عذابا شديدا، إما الطاعون وإما غيره من العقوبات السماوية.
وما ظلمهم الله بعقابه وإنما كان ذلك {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} أي: يخرجون من طاعة الله إلى معصيته، من غير ضرورة ألجأتهم ولا داع دعاهم سوى الخبث والشر الذي كان كامنا في نفوسهم.

{163} {وَاسْأَلْهُمْ} أي: اسأل بني إسرائيل {عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} أي: على ساحله في حال تعديهم وعقاب الله إياهم.
{إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} وكان الله تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم الله وامتحنهم، فكانت الحيتان تأتيهم {يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} أي: كثيرة طافية على وجه البحر.
{وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ} أي: إذا ذهب يوم السبت {لا تَأْتِيهِمْ} أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم [1] الله، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم الله، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك، فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك، لم يأخذوها في ذلك اليوم، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق:
{164} معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك.
وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم.

[1] كذا في ب، وفي أ: يبليهم.
وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم، وقالوا لهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} كأنهم يقولون: لا فائدة في -[307]- وعظ من اقتحم محارم الله، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله، إما بهلاك أو عذاب شديد.
فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي: لنعذر فيهم.
{وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم.
وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل الله أن يهديه، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر، والنهي.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أي: تركوا ما ذكروا به، واستمروا على غيهم واعتدائهم.
{أَنْجَيْنَا} من العذاب {الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} وهكذا سنة الله في عباده، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} وهم الذين اعتدوا في السبت {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي: شديد {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}
وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم، والظاهر أنهم كانوا من الناجين، لأن الله خص الهلاك بالظالمين، وهو لم يذكر أنهم ظالمون.
فدل على أن العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، فاكتفوا بإنكار أولئك، ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} فأبدوا من غضبهم عليهم، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم، وأن الله سيعاقبهم أشد العقوبة.
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 306
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست