اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 240
{76} {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
أي: {قُلْ} لهم أيها الرسول: {أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} من المخلوقين الفقراء المحتاجين، {ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} وتدعون من انفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع، {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لجميع الأصوات باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات.
{الْعَلِيمُ} بالظواهر والبواطن، والغيب والشهادة، والأمور الماضية والمستقبلة، فالكامل تعالى الذي هذه أوصافه هو الذي يستحق أن يفرد بجميع أنواع العبادة، ويخلص له الدين.
{77 - 81} {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ -[241]- سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} .
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} أي: لا تتجاوزوا وتتعدوا الحق إلى الباطل، وذلك كقولهم في المسيح، ما تقدم حكايته عنهم.
وكغلوهم في بعض المشايخ، اتباعا لـ {أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} أي: تقدم ضلالهم.
{وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} من الناس بدعوتهم إياهم إلى الدين، الذي هم عليه. {وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} أي: قصد الطريق، فجمعوا بين الضلال والإضلال، وهؤلاء هم أئمة الضلال الذين حذر الله عنهم وعن اتباع أهوائهم المردية، وآرائهم المضلة. ثم قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: طردوا وأبعدوا عن رحمة الله {عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} أي: بشهادتهما وإقرارهما، بأن الحجة قد قامت عليهم، وعاندوها. {ذَلِكَ} الكفر واللعن {بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} أي: بعصيانهم لله، وظلمهم لعباد الله، صار سببا لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله، فإن للذنوب والظلم عقوبات.
ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات، وأوقعت بهم العقوبات أنهم: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك.
وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة:
منها: أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.
ومنها: ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها.
ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلا.
ومنها: أن - في ترك [1] الإنكار للمنكر- يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟ "
ومنها: أن السكوت [2] على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه، ومنها ومنها.
فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم.
{لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالمحبة والموالاة والنصرة.
{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} هذه البضاعةَ الكاسدة، والصفقةَ الخاسرة، وهي سخط الله الذي يسخط لسخطه كل شيء، والخلود الدائم في العذاب العظيم، فقد ظلمتهم أنفسهم حيث قدمت لهم هذا النزل غير الكريم، وقد ظلموا أنفسهم إذ فوتوها النعيم المقيم.
{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} فإن الإيمان بالله وبالنبي وما أنزل إليه، يوجب على العبد موالاة ربه، وموالاة أوليائه، ومعاداة من كفر به وعاداه، وأوضع في معاصيه، فشرط ولايةِ الله والإيمانِ به، أن لا يتخذ أعداء الله أولياء، وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط، فدل على انتفاء المشروط. {وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي: خارجون عن طاعة الله والإيمان به وبالنبي. ومن فسقهم موالاةُ أعداء الله.
ثم قال تعالى: [1] كذا في ب، وفي أ: أن في ترك. [2] كذا في ب، وفي أ: السكوت
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 240