اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر الجزء : 1 صفحة : 336
418- حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا معاوية، قال: حدثنا ابن جُريج، عن عطاء، في قوله:"أو كصيِّب من السماء"، قال: المطر [1] .
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: مَثَلُ استضاءَةِ المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام، مع استسرارهم الكفر، مَثلُ إضاءة موقد نارٍ بضوء ناره، على ما وصف جل ثناؤه من صفته، أو كمثل مَطرٍ مُظلمٍ وَدْقُه تحدَّر من السماء [2] ، تحمله مُزنة ظلماء في ليلة مُظلمة. وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه.
فإن قال لنا قائل: أخبرنا عن هذين المثَلين: أهما مثَلان للمنافقين، أو أحدُهما؟ فإن يكونا مثلَيْن للمنافقين، فكيف قيل:"أو كصيِّب"، و"أو" تأتي بمعنى الشك في الكلام، ولم يقل"وكصيب" بالواو التي تُلحِق المثَلَ الثاني بالمثَل الأول؟ أو يكون مَثل القوم أحدهما، فما وجه ذكر الآخر بِـ "أو"؟ وقد علمت أنّ "أو" إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشّكّ من المخبِر فيما أخبر عنه، كقول القائل:"لقيني أخوك أو أبوك" وإنما لقيه أحدُهما، ولكنه جهل عَيْنَ الذي لقيه منهما، مع علمه أن أحدهما قد لقيه. وغير جائز فيه الله جل ثناؤه أن يُضاف إليه الشك في شيء، أو عُزُوب عِلم شيء عنه، فيما أخبَرَ أو تَرك الخبر عنه.
قيل له: إنّ الأمرَ في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه. و"أو" - وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشكّ - فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدلُّ عليه الواو، إما بسابق من الكلام قبلها، وإما بما يأتي بعدها، كقول تَوْبة بن الحُمَيِّر:
وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا (3) [1] الأخبار 405 - 418: ساقها مختصرة ابن كثير 1: 99، والدر المنثور 1: 33. [2] الودق: المطر يخرج من خلل السحاب مسترخيًا.
(3) من قصيدة له، أمالي القالي 1: 88، 131، وأمالي الشريف المرتضى 3: 146، وأمالي الشجري 2: 317، والأضداد لابن الأنباري: 243، وغيرها كثير.
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر الجزء : 1 صفحة : 336