اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر الجزء : 1 صفحة : 21
القول في اللغة
التي نزل بها القرآن من لغات العرب
قال أبو جعفر:
قد دللنا، على صحة القول بما فيه الكفاية لمن وُفِّق لفهمه، [1] على أن الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم، وعلى فساد قول من زعم أن منه ما ليس بلسان العرب ولغاتها.
فنقول الآن -إذ كان ذلك صحيحًا- في الدّلالة عليه بأيِّ ألسن العرب أنزل: أبألسن جميعها أم بألسن بعضها؟ إذ كانت العرب، وإن جمَع جميعَها اسمُ أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان، متباينو المنطق والكلام. وإذْ كان ذلك كذلك -وكان الله جل ذكرُه قد أخبر عبادَه أنه قد جعلَ القرآن عربيًّا وأنه أنزل بلسانٍ عربيّ مبين، ثم كان ظاهرُه محتملا خصوصًا وعُمومًا- لم يكن لنا السبيلُ إلى العلم بما عنى الله تعالى ذكره من خصوصه وعمومه، إلا ببيان مَنْ جعل إليه بيانَ القرآن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذ كان ذلك كذلك - [2] وكانت الأخبار قد تظاهرت عنه صلى الله عليه وسلم
7- بما حدثنا به خلاد بن أسلم، قال: حدثنا أنس بن عياض، عن أبي حازم، عن أبي سلمة، قال-: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة-: أن رسول [1] هكذا في المطبوع والمخطوط: "على أن الله جل ثناؤه"، والأجود أن تكون "بأن الله جل ثناؤه"، أي: "قد دللنا على صحة القول ... بأن الله جل ثناؤه"، والباء وما بعدها متعقلة بالقول. [2] جوابُ قوله: "فإذ كان ذلك كذلك"، يأتي في ص: 48 س 20 وهو قوله: "صح وثبت أن الذي نزل به القرآن
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق? (1)
فأضاف"باعثا" إلى"الدينار"، ولما يبعث، ونصب"عبد رب" عطفا على موضع دينار، لأنه في موضع نصب وإن خفض، وكما قال الآخر: (2)
الحافظو عورة العشيرة، لا ... يأتيهم من ورائهم نطف (3)
بنصب"العورة" وخفضها، فالخفض على الإضافة، والنصب على حذف النون استثقالا وهي مرادة. وهذا قول نحويي البصرة. (4)
* * *
وأما نحويو الكوفة فإنهم قالوا: جائز في (ملاقو) الإضافة، وهي في معنى يلقون، وإسقاط النون منه لأنه في لفظ الأسماء، فله في الإضافة إلى الأسماء حظ الأسماء. وكذلك حكم كل اسم كان له نظيرا. قالوا: وإذا أثبت في شيء من ذلك النون وتركت الإضافة، فإنما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لم يكن ولم يجب بعد. قالوا: فالإضافة فيه للفظ، وترك الإضافة للمعنى.
* * * [1] سيبويه 1: 87، والخزانة 3: 476، والعيني 3: 563. قال صاحب الخزانة: "البيت من أبيات سيبويه التي لم يعرف قائلها. وقال ابن خلف: قيل هو لجابر بن رألان السنبسي، وسنبس أبو حي من طيء. ونسبه غير خدمة سيبويه إلى جرير، وإلى تأبط شرا، وإلى أنه مصنوع والله أعلم بالحال! ". دينار وعبد رب، رجلان. والشاهد فيه نصب"عبد رب" على موضع"دينار"، لأن المعنى: هل أنت باعث دينارا أو عبد رب. [2] هو عمرو بن امرئ القيس، من بني الحارث بن الخزرج، وهو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، جاهلي قديم.
(3) جمهرة أشعار العرب: 127، سيبويه 1: 95، واللسان (وكف) والخزانة 2: 188، 337، 483 / 3: 400، 473. وهو من قصيدة يقولها لمالك بن العجلان النجاري في خبر مذكور. والعورة: المكان الذي يخاف منه مأتى العدو. والنطف: العيب والريبة، يقال: هم أهل الريب والنطف. وهذه رواية سيبويه والطبري، وأما رواية غيره فهي: "من ورائنا وكف"، والوكف العيب والنقص.
(4) قال سيبويه 1: 95: "لم يحذف النون للإضافة، ولا ليعاقب الاسم النون، ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين، حين طال الكلام، وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر".
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر الجزء : 1 صفحة : 21