اسم الکتاب : تفسير القاسمي = محاسن التأويل المؤلف : القاسمي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 419
ومن ذلك أن المؤمنين توسطوا في المسيح، فلم يقولوا: هو الله، ولا ابن الله، ولا ثالث ثلاثة. كما تقوله النصارى. ولا كفروا به، وقالوا على مريم بهتانا عظيما، حتى جعلوه، ولد غيّة، كما زعمت اليهود. بل قالوا: هذا عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، وروح منه. وكذلك المؤمنون وسط في شرائع دين الله، فلم يحرّموا على الله أن ينسخ ما شاء، ويمحو ما شاء ويثبت. كما قالته اليهود.
كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [البقرة: 142] ، وبقوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ [البقرة: 91] ، ولا جوّزوا لأكابر علمائهم وعبّادهم أن يغيروا دين الله، فيأمروا بما شاءوا وينهوا عما شاؤوا. كما يفعله النصارى. كما ذكر الله عنهم بقوله اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31] .
قال عديّ بن حاتم رضي الله عنه «1» : قلت: يا رسول الله ما عبدوهم؟ قال: ما عبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.
والمؤمنون قالوا: لله الخلق والأمر. فكما لا يخلق غيره، لا يأمر غيره. وقالوا: سمعنا وأطعنا، فأطاعوا كل ما أمر الله به. وقالوا: إن الله يحكم ما يريد. وأما المخلوق، فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى، ولو كان عظيما
. وكذلك في صفات الله تعالى، فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة، فقالوا: هو فقير وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آل عمران: 181] . وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64] . وقالوا: إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت. إلى غير ذلك. والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به. فقالوا: إنه يخلق ويرزق ويرحم ويتوب على الخلق، ويثيب ويعاقب. والمؤمنون آمنوا بالله سبحانه وتعالى. ليس له سميّ ولا ندّ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: 4] ، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ، فإنه
(1)
أخرج الترمذيّ في: التفسير، 9- سورة التوبة، حدثنا الحسين بن مرثد. عن عديّ بن حاتم قال: أتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال «يا عديّ، اطرح عنك هذا الوثن» وسمعته يقرأ في سورة براءة: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. قال «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم. ولكنهم كانوا إذا أحلوا شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه»
.
اسم الکتاب : تفسير القاسمي = محاسن التأويل المؤلف : القاسمي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 419