responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القاسمي = محاسن التأويل المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 231
إن ذلك حسب استعمالهم اللفظ على التهكم كما قال:
وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحيّة بينهم ضرب وجيع!
والهداية هي الإرشاد إلى الخيرات قولا وفعلا، وهي من الله تعالى على منازل بعضها يترتب على بعض، لا يصح حصول الثاني إلّا بعد الأول، ولا الثالث إلّا بعد الثاني. فأول المنازل إعطاؤه العبد القوى التي بها يهتدي إلى مصالحه إما تسخيرا وإما طوعا- كالمشاعر الخمسة والقوة الفكرية، وبعض ذلك قد أعطاه الحيوانات، وبعض خصّ به الإنسان، وعلى ذلك دلّ قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50] ، وقوله تعالى: الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [الأعلى: 3] ، وهذه الهداية إما تسخير وإما تعليم، وإلى نحوه أشار بقوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: 68] ، وقوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة: 5] ، وقال في الإنسان، بما أعطاه من العقل، وعرفه من الرشد: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ [الإنسان: 3] وقال:
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 10] ، وقال في ثمود: فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: 17] ، وثانيهما الهداية بالدعاء وبعثه الأنبياء عليهم السلام.
وإياها عنى بقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [السجدة: 24] .
وبقوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] ، وهذه الهداية تنسب تارة إلى الله عز وجل، وتارة إلى النبيّ عليه السّلام، وتارة إلى القرآن. قال الله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] .
وثالثها هداية يوليها صالحي عباده بما اكتسبوه من الخيرات، وهي الهداية المذكورة في قوله عز وجل: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ، وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ [الحج: 24] . وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] وقوله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69] .
وهذه الهداية هي المعنيّة بقوله: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ [الحديد: 28] .
ويصح أن ننسب هذه الهداية إلى الله عز وجل فيقال: هو آثرهم بها من حيث إنه هو السبب في وصولهم إليها. ويصح أن يقال: اكتسبوها من حيث أنهم توصلوا إليها باجتهادهم. فمن قصد سلطانا مسترفدا فأعطاه، يصح أن يقال: إن السلطان خوّله.
ويصح أن يقال: فلان اكتسب بسعيه، ولانطواء ذلك على الأمرين، قال تعالى:
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد: 17] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ [يونس: 9] . فنبه أن ذلك بجهدهم وبفضله جميعا.

اسم الکتاب : تفسير القاسمي = محاسن التأويل المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست