اسم الکتاب : تفسير القاسمي = محاسن التأويل المؤلف : القاسمي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 104
مما يعلمه العلماء. وإن قلنا: إنه مما لا يعلمه العلماء البتة، فليس مما يتعلق به تكليف على حال. فإذا خرج عن ذلك، خرج عن كونه دليلا على شيء من الأعمال، فليس مما نحن فيه. وإن سلم، فالقسم، الذي لا يعلمه إلا الله تعالى في الشريعة، نادر، والنادر لا حكم له، ولا تنخرم به الكلية المستدل عليها أيضا، لأنه مما لا يهتدي العقل إلى فهمه، وليس كلامنا فيه. إنما الكلام على ما يؤدي مفهوما، لكن على خلاف المعقول. وفواتح السور خارجة عن ذلك، لأنا نقطع أنها لو بينت لنا معانيها لم تكن إلا على مقتضى العقول، وهو المطلوب.
وعن الثاني: إن المتشابهات ليست مما تعارض مقتضيات العقول وإن توهم بعض الناس فيها ذلك، لأن من توهم فيها ذلك فبناء على اتباع هواه. كما نصت عليه الآية قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7] لا أنه بناء على أمر صحيح: فإنه إن كان كذلك فالتأويل فيه راجع إلى معقول موافق لا إلى مخالف. وإن فرض أنه مما لا يعلمها أحد إلا الله، فالعقول عنها مصدودة لأمر خارجيّ، لا لمخالفته لها. وهذا كما يأتي في الجملة الواحدة، فكذلك يأتي في الكلام المحتوي على جمل كثيرة وأخبار بمعان كثيرة، ربما يتوهم القاصر النظر، فيها الاختلاف. وكذلك الأعجمي الطبع الذي يظن بنفسه العلم بما ينظر فيه وهو جاهل به. ومن هنا كان احتجاج نصارى نجران في التثليث، ودعوى الملحدين، على القرآن والسنة، التناقض والمخالفة للعقول.
وضمّوا إلى ذلك جهلهم بحكم التشريع، فخاضوا حين لم يؤذن لهم في الخوض، وفيما لم يجز لهم الخوض فيه، فتاهوا. فإن القرآن والسنة، لمّا كانا عربيين، لم يكن لينظر فيهما إلا عربيّ. كما أنّ من لم يعرف مقاصدهما، لم يحلّ له أن يتكلم فيهما.
إذ لا يصح له نظر حتى كون عالما بهما. فإنه إذا كان كذلك لم يختلف عليه شيء من الشريعة. ولذلك مثال يتبين به المقصود وهو: إن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس، فقال له: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، فقال: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [المؤمنون: 101] ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ [الصافات: 27] ، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء: 42] ، رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ..
[الأنعام: 23] فقد كتموا في هذه الآية. وقال: بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها.. إلى قوله: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [النازعات: 27- 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض. ثم قال: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ...
[فصلت: 9] إلى أن قال: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ [فصلت: 11] الآية
اسم الکتاب : تفسير القاسمي = محاسن التأويل المؤلف : القاسمي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 104