اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 496
ضرب اللَّه لقلوبهم مثلًا بالحجارة، وشبهها بها؛ لتساويها، وشدة صلابتها، وأَنها أشدُّ قسوة من الحجارة، وذلك: أَن من الحجارة -مع صلابتها وشدتها، مع فقد أسباب الفهم والعقل عنها، وزوال الخطاب منها- ما تخضع له، وتتصدع؛ كقوله: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
وقوله: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ. . .) الآية.
وقلبُ الكافر -مع وجود أسباب الفهم والعقل، وسعة سببية القبول- لا يخضع له، ولا يلين.
وكذلك أَخبر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عن الجبال أَنها تلينُ، وتخضع لهول ذلك اليوم بقوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ). وقلبُ الكافر لا يلين أَبدًا.
أَو أَن يقال: إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جعل من الجبال مَنافِع للخلق مع صلابتها وشدتها حتى يتفجر منه الأَنهار والمياه. وقلبُ الكافر -مع احتمال ذلك وإمكانه- لا منفعة منه لأَحدٍ.
وباللَّه الئوفيق.
ثم وجه حكمة ضرب قلوبهم مثلًا بالحجارة، وتشبيهها بها، دونَ غيرها من الأَشياء الصلبة؛ من الحديد، والصُّفْر، وغيرهما، وذلك - واللَّه أعلم - أَن الحديد تُلينه النار، وكذلك الصُّفْر حتى تضرب منهما الأَواني.
والحجرُ لا تُلينهُ النار ولا شيء؛ لذلك شبه قلب الكافر بها. وهذا - واللَّه أعلمَ - في قوم علم اللَّه أَنهم لا يؤمنون أَبدًا.
وقوله: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
خرجت على الوعيد -أبلغ الوعيد- والوعظ؛ حين ذَكرهم علمه بما يعملون.
* * *