اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 306
يُحَاسِبكمُ بِهِ اللَّهُ)، أخبر أنه يحاسبهم بما أبدوه وما أخفوه، فعلى ذلك الأول فيه إخبار أن ذلك كله يحصيه عليهم، ويحاسبهم في ذلك؛ ليكونوا على حذر من ذلك وخوف ".
ومن ذلك ما قاله عند تفسيره قول اللَّه تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) " قيل: قبيله: جنوده وأعوانه، حذرنا إبليس وأعوانه، بما يروننا ولا نراهم.
فَإِنْ قِيلَ: كيف كلفنا محاربته، وهو بحيث لا نراه، وهو يرانا، ومثله في غيره من الأعداء لا يكلفنا محاربة من لا نراه أو من لا نقدر القيام على محاربته، وليس في وسعنا القيام بمحاربة من لا نراه.
قيل: إنه لم يكلفنا محاربة أنفسهم؛ إذ لم يجعل له السلطان على أنفسنا وإفساد مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا، ولو جعل لهم لأهلكوا أنفسنا وأفسدوا غذاءنا، إنما جعل له السلطان في الوساوس فيما يوسوس في صدورنا، وقد جعل لنا السبيل إلى معرفة وساوسه بالنظر والتفكير، نحو قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)، وقوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ)، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا) علمنا ما به ندفع وساوسه وهمزاته، وجعل لنا الوصول إلى دفع وساوسه بحجج وأسباب ".
لكن هناك ملاحظة يجب إثباتها هنا، وهي بارزة في النموذجين السابقين، وهي أن الماتريدي حين يفسر القرآن بالقرآن يسلك مسلكًا خاصًّا يخالف ما درج عليه سابقوه وحتى لاحقوه؛ ذلك أنه قبل أن يأتي بالآية المفسِّرة يقوم بتحليل الآية المفسَّرة، ثم يقول بعد التحليل: نحو قوله تعالى كذا. ثم إن الآية أو الآيات المفسِّرة قد تكون غير صريحة في الدلالة على الآية المفسَّرة، بقدر ما يقصد تحليله هو.
وإذا أردنا أن نتبين هذا الفارق بين الماتريدي وغيره من المفسرين يكفينا أن نفتح تفسيرًا واحدًا هو تفسير ابن كثير الذي يقول عند تفسير قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، " قيل: إن هذه الكلمات مفسرة بقوله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ".
اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 306