اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 294
المس معناه الاحتكاك المادي، وليس الإحساس والوعي -كما زعم أبو القاسم حاج- ومن الآيات المعضدة لما ذهبنا إليه قول اللَّه تعالى: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ)، فأي تفاعل عقلي مع النار في هذه الآية وأمثالها؛ وأي تفاعل عقلي في قوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ)، وفي قوله تعالى: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)، فهل المس هنا يعني التفاعل العقلي؟ الحقيقة: أن المس هنا واضح بأنه احتكاك مادي، فمس النار للجسم حركة مادية، والولادة العادية تكون بعد مس الرجل زوجته عضويًّا، أي: بعد جماعها؛ لذلك اعترضت السيدة مريم على الأمر، ورأت أنه خلاف العادة.
وبالنسبة للتفريق بين الرؤية والنظر والشهود: يرى أبو القاسم حاج أن الرؤية تتعلق بالأمور الحسية، وآلتها العين المجردة، أما النظر فيتعلق بالأمور المعنوية التي تعتمد على التأمل والإدراك، وآلتها العقل، واستدل على ذلك بقوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي)، فقال: " وقد طلب موسى رؤية اللَّه عبر النظر، بمعنى أن يرفع عوائق الرؤية الحسية أو حجابها ليمكن النظر، والنظر يرتبط بالخيال والتأمل، وقوي الإدراك خلاف الرؤية الحسية بالعين المجردة (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي) فالنظر عقلي والرؤية حسية؛ ولهذا قال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23). فهنا يتعلق النظر إلى اللَّه بالوجوه، وليس العين المجردة التي ترى، في حين أن العقل هو الذي يدرك قيمة الأمر وينفعل به (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)، (إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)؛ ولهذا خاطب إبراهيم ابنه إسماعيل بالنظر في أمر الرؤيا، أي: تقليب الرأي فيها، ثم اتخاذ قرار قاطع، كمن يرى الأمر عياناً في حقيقته (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102).
وكذلك ميز القرآن الكريم بين البصر والرؤية العينية، فالبصر إدراك (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58).
اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 294