اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 292
منهم ".
وأقول: إن الاستخفاف باللغة العربية وقواعدها وزعم الاستغناء عنها باللسانيات الحديثة خرق لأصول العلم ومناهجه وتشكيك فيما أصبح من عداد المسلمات.
رابعًا: اخترقت المدرسة المعاصرة في التفسير الثوابت، فذهبت -مثلاً- إلى أن السنة تجربة تاريخية خاصة بعصرها الذي ظهرت فيه ولا تلزم ما بعده من العصور، وهذا الاختراق مرفوض؛ لأنه يعرض الدِّين للتحلل من عقده، ويفتح الأبواب على مصارعها للأفكار الهدامة تفعل فعلها في كيان الأمة.
وأقول: إن على المتطلعين إلى التجديد وبناء المناهج أن يعرفوا أن الثوابت هي العاصم والحافظ لكيان الأمة وعليها مدارها، فالمساس بها والنيل منها هو مساس بروح الأمة وطعن لها في عمودها الفقري، وتعريض لها لمزيد من الخطر والضياع؛ ذلك أنه - كما يقول سيد قطب رحمه اللَّه- " لكل نجم ولكل كوكب فلكه ومداره، وله كذلك محوره الذي يدور عليه المدار، وكذلك الحياة البشرية لابد لها من محور ثابت، وإلا انتهت إلى الفوضى والدمار ".
ولسنا بكل ما ذكرناه ننفي تبني المناهج التي تبنتها المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم جملة وتفصيلاً، فهذا إن فعلناه أصابنا الجمود والوقوف عند حد التقليد دون التجديد والإبداع، وهذا مخالف لما دعا إليه القرآن الكريم في كل المجالات، بل وفي مجال التعامل معه -أي مع القرآن- فقد قال اللَّه تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، والتدبر يعني الفهم المتجدد؛ إذ لو كان التدبر يعني الوقوف عند فهم القدماء للقرآن، لما أمرنا اللَّه عز وعلا بتدبره، ولكان أمرنا باتباع أسلافنا وحسب؛ وهذا ينافيه طبيعة القرآن المتجددة.
إذن فإن هناك دعوة إلى التجديد في تفسير القرآن الكريم، وتجريب المناهج الحديثة، ولكن ذلك مضبوط بضوابطه التي منها:
أولًا: احترام الثوابت، وعدم هدمها.
اسم الکتاب : تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة المؤلف : المَاتُرِيدي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 292