اسم الکتاب : تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : النيسابوري، نظام الدين القمي الجزء : 1 صفحة : 671
يكره الموت ويغلب الخوف والجزع على طبعه وهم الذين قالوا: لا طاقة لنا، ومنهم من كان شجاعا قوي القلب وهم الذين أجابوا بقولهم كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً أو أنهم لما شاهدوا قلة عسكرهم قال بعضهم: لا طاقة لنا اليوم. فلا بد أن نوطن أنفسنا للقتل. وقال الآخرون: بل نرجو من الله الفتح والظفر. فكأن غرض الأولين الترغيب في الشهادة والفوز بالجنة، وغرض الآخرين التحريض على رجاء الفتح والظفر، وكلا الغرضين محمود. والطاقة اسم بمنزلة الإطاقة. يقال: أطقت الشيء إطاقة وطاقة ومثلها أطاع إطاعة والاسم الطاعة وأغار إغارة والاسم الغارة، وأجاب يجيب إجابة والاسم الجابة. وفي المثل «أساء سمعا فأساء جابة» أي جوابا ومعنى قوله يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ يغلب على ظنونهم أنهم لا يتخلصون من الموت. عن قتادة: أو يظنون أنهم ملاقوا ثواب الله بسبب هذه الطاعة، وذلك أن أحدا لا يعلم عاقبة أمره، وعن أبي مسلم:
أو تظنون أنهم ملاقو طاعة الله من غير رياء وسمعة وبنية خالصة، أو أنهم عرفوا مما في التابوت من الكتب الإلهية يقين النصر والظفر إلا أن حصول ذلك في المرة الأولى ما كان إلا على سبيل الظن، أو المراد بقوله يَظُنُّونَ يعلمون ويوقنون لما بين اليقين والظن من المشابهة في تأكد الاعتقاد، والفئة الجماعة لأن بعضهم قد فاء إلى بعض فصاروا جماعة، وقال الزجاج: هي من قولهم «فأوت رأسه بالسيف» وفأيت أي قطعت كأن الفئة قطعة من الناس. والمراد تقوية قلوب الذين قالوا: لا طاقة لنا إذ العبرة بالتأييد الإلهي والنصرة الإلهية، فإذا جاءت الدولة فلا مضرة في القلة والذلة، وإذا جاءت المحنة فلا منفعة في كثرة العدد والعدة، ومحل «كم» رفع بالابتداء وغَلَبَتْ الجملة خبره، بِإِذْنِ اللَّهِ بتيسيره وتسهيله. وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالمعونة والتأييد يحتمل أن يكون من قوله تعالى وأن يكون من قول الذين يظنون.
قوله سبحانه وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ الآية البراز الأرض الفضاء ومنه البروز والمبارزة في الحرب كأن كل واحد منهما حصل بحيث يرى صاحبه. واعلم أن العلماء والأقوياء من عسكر طالوت لما قرروا مع ضعفائهم وعوامهم أن الغلبة لا تتعلق بكثرة العدد وأن النصر والظفر بإعانة الله اشتغلوا بالدعاء وقالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وهكذا كان يفعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما
روي في قصة بدر أنه كان يصلي ويستنجز من الله وعده، وكان متى لقي عدوا قال: اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم، اللهم بك أصول وبك أجول.
والإفراغ إخلاء الإناء مما فيه، وإنما يخلو بصب كل ما فيه فيفيد المبالغة. أي صب علينا أتم صبر وأبلغه وهذا هو الركن الأعظم في المحاربة، فإنه إن كان
اسم الکتاب : تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : النيسابوري، نظام الدين القمي الجزء : 1 صفحة : 671