اسم الکتاب : درج الدرر في تفسير الآي والسور - ط الفكر المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 57
المبحث الثالث
موقفه من الكوفيين والبصريين
من خلال القراءة المتأنّية لكتاب (درج الدرر) يتبيّن أنّ مؤلّفه أكثر ميلا إلى المدرسة الكوفيّة، فنراه يقدّم آراء الكوفيّين، وربّما اكتفى بها، أو بتفسيرها، ولا سيّما آراء الفرّاء، أحد أشهر أئمّة الكوفيّين. ولكنّ هذا لا يعني إغفاله آراء البصريّين التي قد يعرضها مع آراء الكوفيّين، وقد يفصّل في توضيحها، وربّما رجّحها على غيرها، ولكنّ ترجيحه هذا قد لا يكون ميلا إلى مذهب نحويّ، وإنّما انسجاما مع مذهبه الفقهيّ. ويمكن تبيان ما ذهبنا إليه من خلال الأمثلة على النّحو الآتي:
في قوله تعالى: {ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً} [البقرة:26] قدّم رأي الكوفيّين في انتصاب (مثلا) على القطع، ووضّحه بما يوحي أنّه رأيه، ثمّ أردفه بذكر رأي البصريّين، فقال: {مَثَلاً:}
انتصب على القطع، فكأنّه قال: بهذا المثل، فلمّا قطعت الألف واللام انتصب، وعند البصريين انتصب على الحال، كقوله: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً} [هود:72]» [1].
وفي قوله تعالى: {فَقُلْنا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى} [البقرة:73] تحدّث عن أصل (ميّت) عند الفراء، وفصّل فيه، أمّا رأي البصريّين فأوجزه بكلمتين، وأورده بصيغة (قيل)، فقال: «و (الموتى): جمع ميّت، وأصله عند الفرّاء: مويت، كصريع وصرعى، وجريح وجرحى، فاستثقلت الكسرة على الواو والخروج من الواو إلى الياء، فجعل ياء، فأدغمت الياء في الياء. وقيل: أصله: ميوت» [2].
وقدّم قول الكوفيّين أيضا، وأتبعه بقول البصريّين في كلامه على انتصاب {(مُصَدِّقاً)} في قوله تعالى: {وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} [البقرة:91]، فقال: «و {مُصَدِّقاً:}
نصب على القطع كوفيّا، وعلى الحال بصريّا» [3]. وفعل مثل ذلك في قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً} [البقرة:109]، فقال: {كُفّاراً:}
نصب على القطع؛ لأنّه جاء بعد تمام الكلام، وعند البصريّين نصب على الحال» [4].
وفي كلامه على (أشياء) في قوله تعالى: {لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [1] درج الدرر 29. [2] درج الدرر 86. [3] درج الدرر 103. [4] درج الدرر 131.
اسم الکتاب : درج الدرر في تفسير الآي والسور - ط الفكر المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 57