اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 58
و " الرب " وصف لله تعالى مأخوذ من ربَّ الشيء يَرُبُّهُ بمعنى قام بإصلاحه وتقويمه، وتتبَّعه بالإصلاح والتنمية في كل أدواره، وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها " [1] أي تصلحها وتنميها، ثم أطلقت كلمة " رب " على الله سبحانه وتعالى، وهذا المعنى يتلاقى مع " رَبَي "، فإن التربية هي الإصلاح والتغذية، والعمل على الإنماء، ولقد جاء في الصحاح للجوهري: " رَبَّ فُلانٌ ولده يَرُبُّهُ رَبًّا، وتَربِيَةً بمعنى: ربَّاهُ، والمربوب المُرَبَى ".
وعلى ذلك يصح أن تقول إن الرب من رَبَّه، بمعنى نماه، أو من التربية بمعنى الإصلاح والإنماء، والمعنى في الحالين أن الله رب العالمين بمعنى مغذيهم ومنميهم والقائم عليهم، والمصلح لهم، والمدبر لأمورهم، وهو مربيهم لأنه القائم عليهم والمهذب لهم بما خلق فيهم من عقول مدركة تدرك الخير والشر، وتختار ما تفعل وتحاسَب على ما تقدم من خير فتنال به الثواب، وما تكسب من شر فينالها العقاب.
وكلمة (الْعَالَمِينَ) يريد بها العقلاء من الملائكة والإنس والجن، فهو رب هؤلاء جميعا، هو الذي رباهم وأصلحهم، ودبر أمورهم، والعالَمون جمع لعالَم، وهو كل موجود غير الله تعالى، ولكن إذا جاءت " عالَمون " بجمع المذكر العاقل، أريد بها العقلاء ممن خلق الله تعالى، وقد أيد ذلك القول بقول ابن عباس رضي الله عنهما: " العالَمون الجن والإنس "، ودليله قوله تعالى: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)، فلا ينذر إلا الجن والإنس؛ لَا تنذر الجبال ولا الأرضون، وإنما ينذر العقلاء الذين يتصور الشر منهم، أو لَا يتصور كالملائكة، وقد قلنا إن لفظ العالمين يعمهم. [1] أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة باب فضل الحب في الله (2567)، وأحمد: باقي مسند المكثرين (9887).
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 58