اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 559
وإن التقدير بالمنازل كان ممكنا عند العرب والأعراب، حتى إنهم كانوا يعرفون اليوم من الشهر بمعرفة منزلة الهلال ليعرفوا اليوم الأول من رؤيته في ليلة، واليوم الثاني بما كان من تغيير، وهكذا حتى يصير بدرا، ثم اليوم السادس عشر من التغير إلى آخره. ونقول في هذه القضية: بعد أن كانت الأرصاد، وهي تخترق الغمة فيرى الهلال من ورائها، يجوز الاعتماد عليها عند الغمة، وتكون هذه رؤية، ويكون الصوم لرؤيته والإفطار لرؤيته، ويكون العمل بالحديث قائما. ويكون الحديث بظاهره منطبقا على من ليس عندهم أرصاد، فإنه يؤخذ بالنظر المجرد إذا لَا سبيل إلى الرؤية إلا بالنظر الطبيعي وعلى ذلك قرر مجمع العلماء في القاهرة، وأقره المؤتمر الإسلامي العام أنه يؤخذ بالحساب العلمي إذ غمت الشمس ولم تمكن الرؤية.
الأمر الثاني الذي يثار وقد أثير في القديم وهو أن مطالع القمر مختلفة في البلاد شرقا وغربا، فقد يرى الهلال في المشرق، قبل أن يرى في المغرب، فهل يصوم كل على مطلعه، أم الأساس هو أول رؤية، فيصوم أهل الغرب مثلا على رؤية أهل الشرق الهلال على أساس أول رؤية، ولا اعتداد باختلاف المطالع، لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة، ولا يفرق بينها اختلاف الأقاليم ليكون ابتداء الصوم واحدا، وانتهاؤه واحدا فلا يصوم إقليم ويفطر آخر في يوم واحد؟.
قال الشافعي الرأي الأول، وقال الجمهور الرأي الثاني، أي أن الاعتداد بأول رؤية، وروي عن ابن عباس، وقد كان بمكة فرأى أهل الشام الهلال ليلة الجمعة فصاموا يومها، ورأى أهل الحجاز الهلال ليلة السبت فلم يصوموا السبت، وقال: هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [1]. [1] عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ، بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: " لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
[أخرجه مسلم: كتاب الصيام - بيان أن لكل بلدَ رؤيتهم (1819)].
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 559