اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 518
المقصود الجامع لكل معاني الخير، الذي حرص الدين عليه حرصا كاملا، بل هو إلى الشكل أقرب، أو هو الوسيلة وما يكون من الأمة هو الغاية العليا من كل دين جاء من الله تعالى لهداية البشر، وتوجيههم نحو الصلاح الإنساني آحاد وجماعات؛ صلاحا يمس نفوسهم ويملأ قلوبهم إيمانا، وليس في العبارة السامية ما يومئ إلى الاستهانة بأمر القبلة، بل إن فيها توجيها إلى الناحية التهذيبية والكمالية للإنسان في آحاده، وجماعاته؛ ولذا قال تعالى مستدركا مثبتا: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ).
قال العلماء: إن " من آمن بالله " إن الكلام فيها على تقدير مضاف ومعناه، ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر. . وحذف المضاف إذا دل عليه المضاف إليه كثير في القرآن وهو من إيجاز الحذف البليغ كقوله تعالى: (وَاسْأَل الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا. . .)، أي أهل القرية، وكقوله تعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيه)، أي فليدع أهل ناديه.
وإن ذلك الإيجاز من دلائل الإعجاز، وإننا نرى أن حذف المضاف أو عدم تقديره يعلو بالكلام إلى أعلى درجات البيان، إن الكلام يكون دالا على البر بمفهوم الحال المكونة من الكلام كله، فيكون المعنى ليس البر المقصود من الديانات الإلهية أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر المقصود وهو الغاية من الديانات الإلهية هو الحال التي يكون عليها من آمن بالله واليوم الآخر. . وآتي المال على حبه ذوي القربى إلى آخر ما بينته الآيات، فهذه الحال المجتمعة من تلك الصفات، وهذه الأعمال المهذبة المربية لمجتمع فاضل هي البر، وعلى ذلك لَا تحتاج إلى تقدير، والبر كما يقول المفسرون هو المعنى الجامع لكل ما فيه نفع للنفس وللناس، وإني أراه مرادفًا في العرف الخلقي.
وقد ذكر الله تعالى صنوف البر كلها في هذه الآية الكريمة، وكانت بحق آية البر، لأنها جمعت أطرافه، ونواحيه كلها، وهي من أجمع الآيات للتكليفات الدينية.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 518