اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 513
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ. .. ).
وكان من المناسب ذكر كتمانهم، والقرآن الكريم يبين الطيبات التي أحلها، والخبائث التي حرمها، والأغلال التي رفعها، وقد كتموا أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته.
وقوله تعالىٍ: (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا) معناه يقدمونه في نظير قليل، وعبر سبحانه بقوله تعالى: (ويشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) لأن المشتري طالب لمقابل المبيع، فهم يتركونها طالبين ثمنها راغبين، وهو مهما يكن مقداره قليل، فهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، والثمن هو استعلاء واستكبار عن الاتباع، وإنكار وجحود، وعرض من أعراض الدنيا وقد بين الله تعالى سوء فعلتهم في الدنيا، وعذابهم في الآخرة، فقال تعالى: (أُوْلَئِكَ مَا يَأكُلُونَ فِي بُطونِهِمْ إِلَّا النَّار وَلا يُكَلِّمُهمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ).
الإشارة إلى الذين يكتمون ما أنزل الله في الكتاب الحق، وتركوا الواجب في نظير قليل بالنسبة لما تركوه فهو زهيد مهما يكن مقداره بجوار الحق الذي باعوه، فقد باعوا غاليا بما لَا يكافئه مهما يكن قدره، الإشارة إلى هؤلاء الذين اتصفوا بذلك، والإشارة إلى الموصوف بصفة يبين أن سبب الحكم هو هذه الصفة.
وقد حكم الله تعالى عليهم بأربعة أحكام: أولها أنهم ما يأكلون من الثمن الذي أخذوه إلا النار تلهب بطونهم، وقوله (مَا يَأكلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) مجاز فيه عبر عن حالهم بالمآل الذين يئولون إليه، فعبر سبحانه عن حالهم في الثمن الذي أخذوه شرها، طمعا وإيثارا للباطل، وتركا للحق بأنهم أكلوا نارا، نزلت في بطونهم وألهبتها ومزقت لحومهم، واختار التعبير بكون النار في بطونهم؛ لأن المال الباطل يطلب لأجل شهوة البطن وملذاتها والتعبير عن الجزء وإرادة الكل إذ المراد أن النار تعمهم، وتشمل كل أجزائهم، ولكن عبر بالجزء؛ لأن ذلك الجزء له مزيد من الاختصاص؛ لأن شهوتهم وشرههم هو الذي جعلهم يختارون ذلك الثمن الحقير وإن كان كبيرا فإن الذي تركوه من الحق أكبر وأعظم وهو الحق الذي كتموه.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 513