اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 493
فهم مهينون في تفكيرهم، إذ هم رفضوا الدليل المشتق من وجودهم، وما يحيط بهم، فضلوا ضلالا بعيدًا، والتعبير عنهم بذلك (وَمِنَ النَّاسِ) إشارة إلى أنهم ليس لهم من وصف إلا أن يقال إنهم من الناس، فليس لهم وصف علم ولا إيمان، ولا شيء من المكارم التي تعلى الإنسان وتسير به في مدارج الرقي، كما تقول عن رجل محتقرا: هذا الآدمي، أي ليس له من الصفات إلا أنه آدمي.
الإشارة الثانية - أن الله تعالى قال: (يَتَّخِذ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا). فيه إشارة إلى أنهم - أي الأنداد - ليس لهم وجود ذاتي بهذا الاعتبار، إنما هم الذين جعلوهم كذلك جعلا، فما كان لهم ذلك إلا بزعمهم الباطل وحدهم، وهم يحسبون أنهم بهذا الاتخاذ يحسنون صنعا.
وإنهم لَا يكتفون بذلك الاتخاذ الباطل، بل يعبدونهم ويحبونهم كحب الله تعالى بأن يجعلوهم نظراء الله تعالى في المحبة والخضوع وطلب الرضا.
وقوله تعالى: (كَحُبِّ اللَّهِ) قد يكون معناه أنهم يسوونهم بالله تعالى في العبودية، والطاعة والرضا بما يعتبرونه مرضيا لهم مع أنهم يرون أنهم لَا ينفعون ولا يضرون، وإذا أنزلت بهم شديدة لَا يلجأون إلا لله، ولا يطلبون كشف الضر إلا منه كما تلونا من كتاب الله تعالى ما يحكيه عنهم، فهم يفرقون بين معبوداتهم، وبين الله في شدائدهم، ولا يفرقون في رخائهم، وقد علمت أن وثنيي العرب ما كانوا ينكرون وجود الله وأنه المنشئ المكون للوجود، (وَلَئِن سَآلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقولُنَّ اللَّهُ. . .)، ويقولون في أوثانهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله.
وهذا التخريج هو الأقرب إلى الخاطر، وهناك تخريج آخر، يقول إن معنى قوله تعالى (كحُبِّ اللَّهِ) أنهم يحبونهم كحب المؤمنين لله تعالى، فهم ينزلون أندادهم منزلة الله تعالى عند أهل الإيمان فيفردونها بالعبادة كما يفرد المؤمنون الله تعالى بالعبادة وحده.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 493