اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 491
وقوله: (والسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) والسحاب ظلال تنتقل بين السماء والأرض، وسميت سحابا لانسحابها من مكان إلى آخر، وهي قد تكون ممتلئة فتنزل على الأرض إذا بردت، ويكون منها الودق، وقد قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43). والسحاب المسخر المذلل لأوامر الله تعالى يبعثه من مكان إلى مكان كما يريد سبحانه، وهو العليم الخبير، فيذهب بمطره إلى الأرضِ التي يريد الله تعالى إحياءها، ولقد قال تعالى: (وَاللَّه الَّذي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابَا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ. . .)، ويقول تعالى: (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ. . .)، فالسحب هي التي سخرت لتوزيع المياه بإرادة الله تعالى من أرض لَا تنبت إلى أرض أخرى تنبت، فإذا كان الله ينزل من السماء ماء ليكون منه حياة كل شيء، فالله سبحانه وتعالى سخر السحاب لتوزيع هذا الماء الذي ينزله على حسب الحاجة وعلى حسب حكمته، وسنته.
هذا الذي ذكره سبحانه من خلق السماوات والأرض والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، والمطر الذي ينزله من السماء، وتصريف الرياح بسق كونية نظمها، والسحاب المسخر بين السماء والأرض، فيه آيات بينات، وأدلة واضحات قاطعة تدل على وجود الله تعالى وانفراده سبحانه بتدبير الكون، وعلى أن إرادة واحدة هي التي أنشأته وهي التي تديره، سبحان الله رب العالمين؛ ولذلك قال تعالى بعد أن ذكر تلك الآيات البينات (لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) هذه الجملة السامية فيها جواب " إن " في قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَات وَالأَرْضِ) إلى آخر الآية الكريمة. " آيات "، أي أدلة قاطعة لَا مجال للريب فيها (لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي يعملون عقولهم لَا أهواءهم، ولم تطمس عليها أوهام توارثوها، وتقليد استمسكوا به، وقالوا ما نعبد إلا ما كان يعبد آباؤنا من قبل.
وعبر سبحانه وتعالى بـ " قوم " للإشارة إلى الأقوام التي لَا تعقل ولا تفكر.
* * *
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 491