اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 480
قربوا أو بعدوا، ولمن يجهله، فإنه كما قال علي كرم الله وجهه: لَا يسأل الجهلاء لِمَ لَمْ يتعلموا، حتى يسأل العلماء لِمَ لَمْ يُعلِّموا.
وقد حكم الله تعالى على الذين يكتمون العلم بقوله تعالت كلماته: (أُوْلَئكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) اللعن الإبعاد والطرد، والنبذ من جماعة الخير، وجماعة الحق، وأولئك إشارة إلى الذين يكتمون العلم، والإشارة إلى موصوف بوصف، إشارة إلى أن الوصف علة الحكم، فكتمان العلم علة للإبعاد عن رحمة الله تعالى، ونبذه من الناس، ولعن الوجود كله، واللاعنون تشمل الملائكة والجن والإنس، وكل من يسبح بحمد الله تعالى.
ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء " [1] وهذا إذا بين العلم وذكره للناس وهدى من ليس عنده علم، فإذا كتمه لعنه كل شيء لعنته الملائكة، ولعنه الناس، ولعنه كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء، فاللعن عند الكتمان جزاء، هو نظير الاستغفار عند البيان.
وقد استثنى من هؤلاء اللعونين الذين يبينون من بعد الكتمان، فقال تعالى: [1] روى الترمذي: كتاب العلم - باب فضل العلم (2606)، عن أبي الدرداء قال: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». كما رواه ابن مَاجه في المقدمة (219)، وأبو داود: العلم (57 31)، وأحمد في مسنده في مسنده (20723) وغيرهم.
(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوأهه التوبة هي الإقلاع عن الذنب، والشعور بالندم، والعزم المؤكد على ألا يعود إليه من بعد، وإذا كان الذنب بالترك عمل، وإذا كان الذنب بالعمل ترك، فذنب الكاتمين كان بترك البيان والتبليغ فتكون التوبة بالبيان والتبليغ؛ ولذلك قال تعالى " وبينوا " أي أكدوا بفعل نقيض ما ارتكبوا.
وقوله " وأصلحوا "، أي تركوا الإفساد واتجهوا إلى الإصلاح، وعمارة الوجود، ونشر الخير بين الناس وإرشادهم إلى أقوم السبل في هذه الحياة، وفي ذلك إشارة إلى أمرين جليلين:
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 480