اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 467
وقمع الأهواء والشهوات والاتجاه إلى الله تعالى؛ ولذا ابتدأ به فقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) استعينوا في أموركم، وفي استجابة أوامر ربكم والأخذ بأحكام دينكم وإعداد العدة للقاء عدوكم، فمجاهدة النفس مقدمة على جهاد العدو، بل هي عدته وقوته.
والصبر ضبط النفس والاستيلاء عليها، وهو يتنوع بتنوع موضوعه، فهناك صبر على منازعة الأهواء والشهوات لتعميمها والاستيلاء عليها بجعل الشهوة أَمَةً للعقل ليست مسيطرة عليه، ولا مسيرة للنفس، وهناك صبر لأداء الطاعات والقيام بالواجبات فإن ذلك يحتاج إلى عزم قوي لَا يكل ولا يمل، وهناك صبر على لغو القول من الناس، واستهزاء السفهاء، وتهكم ذوي الأهواء، وهناك صبر بالإقامة مع الضعفاء وقد قال الله تعالى فيه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . .).
وهناك صبر عند المصائب في الدنيا فلا يفزع ولا يجزع ويعلم أن الصبر فيه أجر وأن الجزع فيه وزر، وهناك صبر عند لقاء الأعداء ولعله نتيجة لصفة الصبر وتشعبها في كل النواحي التي ذكرناها.
والصبر خير كله، وهو أول صفات المؤمنين، ومن الصبر ألا يكفر عند النعمة وألا ييئس عند النقمة، ولقد قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11).
ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم بسنده عن صهيب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " [1] فالصبر كله خير، وهو عدة الإيمان والأخلاق، وبناء المجتمع الصالح، وهو أقوى عدة للجهاد. [1] رواه مسلم: كتاب الزهد والرقائق (5318)، وبنحوه رواه أحمد والدارمي.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 467