اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 437
ولقد رد الله تعالى آمرًا النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قُل لِّلَّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وقد أمر الله تعالى: بأن يتولى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرد عليهم، لأن الاعتراض المتهكم كان على النبي وأصحابه، وهم يرمونه بالتحير، وكان الرد (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)، أي أن الله تعالى مالك الأرض شرقيها وغربيها وشماليها وجنوبيها، وذكر الشرق والغرب؛ لأن من ملكهما ملك الأرض كلها، لَا فرق بين قريب وبعيد، وإذا كان هو المالك ملكية مطلقة للأرض، فهو يتخير لموضع قبلته ما يشاء من أرضه وليس لأحد سلطان فيما يريد، وهو يختار من أرضه مايراه أصلح وأقرب وأنسب، وقد اختار البيت الحرام، كما اختار من قبل بيت المقدس، والبيت الحرام بناء إبراهيم وأول بيت وضع للناس، وهو كما قال علماء الكون في وسط الأرض، واختصه الله تعالى بأن به وحوله مناسك الحج، وقالوا إنه منذ خلق الله تعالى مكة لم يكن بها زلزال ولا خسف، فكأن الله تعالى قد أمنها من هذه الظروف الكونية، كما كان الناس فيها آمنين من القتل، وجعله سبحانه وتعالى حرما آمنا، ويتخطف الناس من حولهم.
ولقد بين سبحانه وتعالى أن هذا الذي اختاره من قبلة هو الهداية لايرضي به إلا من هداه الله تعالى، فذيل الآية بقوله تعالت كلماته: (يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) أي أن الله تعالى بحكمته كان في عباده من اهتدى، وكان في عباده من ضل وغوى، فمن سلك الجدد، وحارب هواه، ووسوسة الشيطان، فإن الله تعالى يأخذ بيده، ويوجهه إلى صراط - أي طريق - مستقيم، والطريق المستقيم هو أقرب الطرق للوصول إلى الغاية، إذ إن الخط المستقيم أقرب خط بين نقطتي الابتداء والانتهاء.
وإن الله تعالى اختار خير أماكن الأرض لتكون قبلة الناس، وهي وسط الأرض وخير بقعة فيها، لما ذكرنا من مناقب لهذا البيت، ولأن منشئها أول نبي عرف بأنه حطم الأوثان، وجعلها جذاذا، ولقد كانت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - آخر محطم للأوثان - والذي جعلها جذاذا مطروحا - خير أمة، وإنه كما اختار الله خير بقعة في الأرض لتكون قبلة إذ أنشأها محطم الأوثان فكذلك جعل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس، ولذا قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا).
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 437