اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 421
(وَلا تُسْألُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وكذلك لَا يكفيكم عملهم، إن خيرا فخيره لهم إلا أن تكونوا قد عملتم مثل عملهم ولا تزر وازرة وزر أخرى.
إن ملة إبراهيم عليه السلام، وهي التوحيد، والطهارة من الوثنية هي لب الدين اصطفاه الله تعالى لنا، وهي الحق الذي لَا ريب فيه، وهي مقياس الحق الذي يتميز به من الباطل، فمن آمن بها فقد اهتدى، ومن خالفها فقد ضل وغوى، وأهل الكتاب الذين حرفوا القول عن مواضعه، وغيروا وبدلوا، وخرجوا عن المنهاج وتركوا ملة إبراهيم عليه السلام يزعمون أن ما عندهم حق، وهو الهداية، كذلك ضلت أفهامهم، فزعم اليهود أن في يهوديتهم السلامة، وزعم النصارى بنصرانيتهم الوثنية أنها الهداية وكل في غيهم يعمهون، ولذا قال تعالى:
(وَقَالُوا كُونوا هُودًا أَو نَصَارَى تَهْتَدُوا) أي قال اليهود: أي الحاقدون الكافرون بأنعم الله التي توالت عليهم: كونوا هودا، أي كونوا يهودا تهتدوا، لأن الهداية تحوطهم، وهم في قبتها، وقال النصارى المثلثون الوثنيون: كونوا نصارى تهتدوا؛ لأن الهداية في حقبتهم لا تخرج عنهم أبدا والعاقبة لهم في زعمهم، مع أنهم وثنيون، لَا يتبعون نبيا مرسلًا، ولكن يتبعون فلسفة كاذبة ضالة مضلة [1].
قال اليهود ما قالوا، وقال النصارى المثلِّثون ما قالوا، فأمر الله تعالى نبيه بأن يرد قولهم بقوله: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكينَ).
قل لهم يا رسول الله: إن المقياس الصحيح الواجب الاتباع؛ لأجل البعد عن الباطل، والاهتداء بهدى الحق - مضربا عن كلامهم صفحا - هو ملة إبراهيم، ولذا قال تعالى: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا)، وبل هنا للإضراب عن أوهامهم وترهاتهم، وملة مفعول لفعل محذوف تقديره: بل اتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، أي مائلًا للاستقامة أو مائلًا نحو الحق هاديًا إليه، فالحنيفية السمحة أي الحق، وجَنفَ وَحَنَفَ معناهما الميل، بيد أن الجنف الميل إلى الباطل كما قال تعالى: (غَيْرَ مُتًجَانِف لإِثْمٍ)، والحنيف المائل نحو الحق، والحنفيف معناه الاستقامة والحنيف معناه المستقيم الذي لَا عوج فيه ولا انحراف. [1] راجع: " محاضرات في النصرانية " للمؤلف.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 421