اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 416
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133).
وأرى أن قوله تعالى: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهُ اصْطَفَى لَكُمُ) وصيتهما معا، ولما جادل اليهود في ذلك قال تعالى مفندا كلامهم، مبينا حقيقة الأمر (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَإِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) إلى آخر الآية، وعلى هذا التخريج فالوصية واحدة، اللهم إنَّا أسلمنا وجهنا لك كما أسلم إبراهيم وجهه لرب العالمين.
* * *
وناداهم بهذه الصيغة التي تدل على النسبة إليه تقريبا لهم من نفسه، وفي ذلك دليل على الشفقة بهم والرفق، وأنه يؤثرهم بما يدل على محبته وحدبه عليهم، ومضمون الملة التي وصى بها (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ)، أي أن الله جل جلاله، وهو ربكم الذي ذراكم وأنعم عليكم، اختار لكم الدين الكامل، والدين هنا، هو ملة إبراهيم، فهي دين إبراهيم ودينكم ودين الخليقة من بعده، وهو ملته، وهو الإخلاص لله رب العالمين وإسلام الوجه له، كما فسر الله تعالى، من قبل بقوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
وقد صرح سبحانه وتعالى بغاية الوصية ونهايتها كما جاءت على لسانهم، (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، والفاء هي للإفصاح عن شرط مقدر، أي إذا كانت هذه الملة هي الدين الذي اختاره لكم وهو الإسلام، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وقوله تعالى: (وَأَنتُم مُّسْلِمونَ) حال من تموتن.
وقد أكد سبحانه وتعالى الطلب بنون التوكيد الثقيلة، وليس النهي متجها إلى الموت؛ لأن الموت ليس أمرًا اختياريا يجري فيه التكليف بالأمر، وإنما الأمر منصب على البقاء على الإسلام، أي لابد أن تبقوا على الإسلام مؤكدًا ذلك حتى تموتوا وأنتم على حاله وقيامه، كما تقول: لَا تصل إلا وأنت خاشع فهو أمر بالخشوع وليس نهيًا عن الصلاة.
وقوله تعالى: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهُ اصْطَفَى لَكُمُ) أهي وصية إبراهيم وحفيده يعقوب معا؟ الظاهر ذلك، وقال بعضهم: إنها وصية إبراهيم وأمها وصية يعقوب فقد أشير إليها في قوله تعالى من بعد:
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 416