اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 412
وقوله تعالى: (إِلَّا مَن سَفِة نَفْسَة)، أي جهلها في حمق ورعونة؛ لأن النفس الإنسانية المستقيمة تتجه إلى الله لما في داخلها من ينبوع الخير الداعي إلى إدراك الحق المستقيم، ولأن كل ما في النفس من عقل مدرك، ويد تبطش وعين تبصر وأذن تسمع ورجل تسير بها كلها يدل على الإيمان الحق ويهدي، كما قال في الذين يضلون إذ ينسون خلقهم وكونهم، فيقول: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ. . .). فالنفس الإنسانية لو تأملنا خلقها وتكوينها تهدى وترشد إلى الحق، ولقد قال تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاءِ رِزْفكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
وقوله تعالى: (إِلَّا مَن سَفِة نَفْسَهُ)، أي جهلها عن سفه وحمق ورعونة كما ذكرنا، والفرق بين جهل النفس، وأن يكون قد سفهها أن الجهل قد يكون عدم علم وعدم اهتداء إلى الحق، وألا يكون عنده أدوات العلم وطرق المعرفة، أما السفه فمعناه أن يجهل وعنده طرق المعرفة، وأسبابها ويتركها حمقًا ورعونة، ولقد قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذينَ نَسوا اللَّهَ فَأنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ. . .)، وسفه نفسه، قيل إنها بمعنى سفَّه بتشديد الفاء بمعنى أوقعها في جهل وسلك بها غير ما تهدي إليه الفطرة.
وإن ملة إبراهيم هي ملة النبيين فقد قال تعالى: (فَاتَّبِعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أآل عمران، وقال تعالى في سورة الحج: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجِ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ. . .).
وإن ملة إبراهيم كانت ملة النبيين؛ لأن الله تعالى اختارة للإمامة، وابتلاه بالكلمات، ولأنه كان يشكر نعم ربه، ولأنه اختاره لبناء البيت، ولأنه اختاره لتعليم مناسك الحج، ولأنه اختاره ليكون أبا الأنبياء؛ ولذلك كله قال تعالى: (وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرةِ لَمِنَ الصَّالحِينَ) وقال تعالى في آية أخرى: (شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مّسْتَقِيمٍ).
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 412