اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 395
إمام من ذريته يعمل بمثل عمله ويقتدى به في الهداية، فهو يطلب الهداية لذريته لا استئثارا بالمحبة ولكن بالتقوى والهداية؛ ولذلك قال مناجيا ربه: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) أي اجعل يا رب العالمين من ذريتي أئمة صالحين يؤتمون ويقتدى بهم، فهو يدعو الله تعالى إلى أن تكون ذريته طيبة صالحة يقتدى بهم، فتكون خلفا له في الإمامة لا بمجرد الانتساب إليه بل لعملهم وتقواهم وإيمانهم بكلمات الله.
ولكن الله تعالى العليم الذي يعلم كل شيء يعلم ما هو كائن، وما يكون أشار إلى أنه لن تكون ذرية إبراهيم كلها من الصالحين الذين يؤتم بهم، بل سيكون منهم الظالمون الذين يظلمون أنفسهم، وغيرهم بالمعاصي يرتكبونها وبالشر يعملونه ويطلبونه؛ ولذا قال تعالى: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
أي أن ذريته سيكون منهم محسن، وسيكون منهم ظالم لنفسه، بالمعاصي، فالمحسنون ينالهم عهدي، ويكون منهم أئمة يقتدى بهم، وأما الظالمون فلن ينالوا إمامة في الدين من الله سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)، والمعنى أن ذرية إبراهيم من أحسن منها نال الإمامة، ومن لم يحسن فهو ظالم لَا ينالها؛ لأنه يضل الناس، ولا يهدي أحدا؛ ولذلك كان من ذريته أئمة في الدين، وقد قال تعالى:
(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27).
والعهد في اللغة مراعاة الشيء والمحافظة عليه، ومن ذلك قوله تعالى:
(وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)، والعهد أيضا الأمر الموثق الذي لَا يجوز نقضه، ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَوْفوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْئولًا)، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا. . .).
والعهد في هذه الآية هو الإمامة، وكأنها مأخوذة من العهد بمعنى الرعاية فعهد الله تعالى أن يعهد برعاية الدين والإمامة إلى إمام في الدين، وإنه لَا ينال هذه
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 395