اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 385
تعالى، وتعنتهم في طلباتهم، وجحودهم المستكن في قلوبهم الذي يظهر على أقوالهم، فإذا كانت أقوالهم متحدة، فلأنها ناشئة من قلوب متحدة في أنها لَا تؤمن بشيء، ولقد جاء عيسى ببينات قاطعة من إحياء للموتى وإخراج لما في القبور، وتصوير للطين ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله تعالى. جاءهم بكل هذا فقالوا: هذا سحر مبين فالجاحد لَا يؤمن بشيء وليس عدم إيمانه لنقص في الدليل، بل كلما زاد الدليل قوة زادوا عنتا وكفروا، وصرفوا عقولهم ونفوسهم لَا في الإيمان به، بل في إعمال الحيلة لرده.
ولذلك رد الله تعالى عليهم بقوله تعالى: (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أكد الله سبحانه وتعالى أنه بين للذين لَا يعلمون في الحاضر، والذين قالوا مثل قولهم في الماضي، وأتى لهم بآيات من شأنها أن تدخل إلى القلوب بالإيمان، ولكن بشرط تقبل القلوب للحقيقة، وإن من شأنها أن توقن بالحق إذا عين لها دليله؛ ولذا قال تعالى: (لِقَوْمٍ يوقِنُونَ)، أي من شأنهم أن يوقنوا عند وجود الدليل، لا يترددون وليس من شأنهم التردد، وينتهي ترددهم بالجحود.
إن الدليل إذا كان قويا صدقوا بعقولهم، ولكن إذعانهم لَا يكون إلا إذا كانت قلوبهم خاضعة من شأنها اليقين، وقد تستيقنها النفس ولكن لَا تسكن القلوب إلا إذا كان اليقين من القلب المؤمن بالحق أو المستعد له الذي يقذف الله تعالى في قلبه بالنور؛ ولذا قال تعالى في شأن الجاحدين المتعنتين: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ. . .).
والآيات هنا إذا كانت عامة للحاضرين والماضين فهي الآيات التي سبقت لموسى ولعيسى، وآية محمد الكبرى، وهي القرآن العظيم الخالد الباقي إلى يوم القيامة.
ومعنى قوله: (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ) قد أنزلنا بينة مقنعة بذاتها؛ لأنها العلامات والأمارات القاطعة في الدلالة على الله، وعلى نبوة الرسول الذي بعثه الله تعالى.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 385